وقال آخر: إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها أي إن أبا أبيها وغايتيها. قال أبو جعفر النحاس: وهذا القول من أحسن ما حملت عليه الآية ؛ إذ كانت هذه اللغة معروفة ، وقد حكاها من يرتضى بعلمه وأمانته ؛ منهم أبو زيد الأنصاري وهو الذي يقول: إذا قال سيبويه حدثني من أثق به فإنما يعنيني ؛ وأبو الخطاب الأخفش وهو رئيس من رؤساء اللغة ، والكسائي والفراء كلهم قالوا هذا على لغة بني الحارث بن كعب. إن هذان لساحران إعراب. وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب أن هذه لغة بني كنانة. المهدوي: وحكى غيره أنها لغة لخثعم. قال النحاس ومن أبين ما في هذا قول سيبويه: واعلم أنك إذا ثنيت الواحد زدت عليه زائدتين ، الأولى منهما حرف مد ولين وهو حرف الإعراب ؛ قال أبو جعفر فقول سيبويه: وهو حرف الإعراب ، يوجب أن الأصل ألا يتغير ، فيكون ( إن هذان) جاء على أصله ليعلم ذلك ، وقد قال تعالى: استحوذ عليهم الشيطان ولم يقل استحاذ ؛ فجاء هذا ليدل على الأصل ، وكذلك ( إن هذان) ولا يفكر في إنكار من أنكر هذه اللغة إذا كان الأئمة قد رووها. القول الثاني أن يكون ( إن) بمعنى نعم ؛ كما حكى الكسائي عن عاصم قال: العرب تأتي ب إن بمعنى نعم ، وحكى سيبويه أن ( إن) تأتي بمعنى أجل ، وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل بن إسحاق القاضي يذهبان ؛ قال النحاس: ورأيت أبا إسحاق الزجاج وعلي بن سليمان يذهبان إليه.
الجواب: إذا لاحظتَ الآية المباركة تجد كلمة ﴿إنْ﴾ مخفّفة وليست مشدّدة، وإذا كانت كذلك فهي لا تعمل عمل إنَّ المشدَّدة فعليه يكون إعراب ﴿هَذَانِ﴾ مبتدأ مرفوعاً بالألف لأنه مثنّى ويكون إعراب ﴿لَسَاحِرَانِ﴾ خبر للمبتدأ وهو مرفوع بالألف أيضاً للتثنية فأين الخطأ؟ هذا وجهٌ وثمة وجوه أخرى ذكرها أهل الاختصاص نشير إلى بعضها: الوجه الأول: أن الأسماء المثنَّاة تُعرب بالتقدير كالأسماء المقصورة، مثل: العصى والدُمى والحِمى، فهي تُرفع بالضمَّة المقدرة وتُنصب بالفتحة المقدرة وتُجرُّ بالكسرة المقدرة، فتبقى صورةً على حالها دون أن تُؤثَّر فيها العوامل الداخلة عليها. وهذه هي لغة بني الحارث بن كعب وخثعم وزبيد وجماعة من قبائل العرب، لذلك قال شاعرهم: إنَّ أباها وأبا أباها *** قد بلغا بالمجد غايتاها فلم يقل الشاعر وأبا أبيها كما هو مقتضى القياس في حال الإضافة أي إنَّ (أباها) الثانية لما كانت في موقع المضاف إلى (وأبا) فذلك يقتضي الجر بالياء وكذلك قال شاعر آخر منهم: تزوَّدَ منّا بين أذناه ضربةً *** دعته إلى هابي التراب عقيم فلم يقل الشاعر (أذنيه) رغم أنّه في موقع المضاف إليه. الوجه الثاني: إنَّ كلمة ﴿إنْ﴾ الواردة في الآية المباركة مخفَّفة من الثقيلة واسمها مضمر وجملة ﴿هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ مبتدأ وخبر في محل رفع خبر إنْ المخففة، والحجة في ذلك دخول اللام التي يتميَّز بها إنْ المخففة عن إنْ النافية.
وَأَمَّا قَوْله: { الْمُثْلَى} فَإنَّهَا تَأْنيث الْأَمْثَل, يُقَال للْمُؤَنَّث, خُذْ الْمُثْلَى منْهُمَا. وَفي الْمُذَكَّر: خُذْ الْأَمْثَل منْهُمَا, وَوَحَّدْت الْمُثْلَى, وَهيَ صفَة وَنَعْت للْجَمَاعَة, كَمَا قيلَ: { لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى} 20 8 وَقَدْ يَحْتَمل أَنْ يَكُون الْمُثْلَى أُنّثَتْ لتَأْنيث الطَّريقَة. جريدة الرياض | إن هذان لساحران. وَبنَحْو مَا قُلْنَا في مَعْنَى قَوْله: { بطَريقَتكُمْ الْمُثْلَى} قَالَ أَهْل التَّأْويل. ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ: 18248 - حَدَّثَني عَليّ, قَالَ: ثنا أَبُو صَالح, قَالَ: ثَنْي مُعَاويَة, عَنْ عَليّ, عَنْ ابْن عَبَّاس, قَوْله: { وَيَذْهَبَا بطَريقَتكُمْ الْمُثْلَى} يَقُول: أَمْثَلكُمْ وَهُمْ بَنُو إسْرَائيل. 18249 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو, قَالَ: ثنا أَبُو عَاصم, قَالَ: ثنا عيسَى; وَحَدَّثَني الْحَارث, قَالَ: ثنا الْحَسَن, قَالَ: ثنا وَرْقَاء, جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح, عَنْ مُجَاهد, قَوْله: { وَيَذْهَبَا بطَريقَتكُمْ الْمُثْلَى} قَالَ: أُولي الْعَقْل وَالشَّرَف وَالْأَنْسَاب. * - حَدَّثَنَا الْقَاسم, قَالَ: ثنا الْحُسَيْن, قَالَ: ثَنْي حَجَّاج, عَنْ ابْن جُرَيْج, عَنْ مُجَاهد, في قَوْله { وَيَذْهَبَا بطَريقَتكُمْ الْمُثْلَى} قَالَ: أُولي الْعُقُول وَالْأَشْرَاف وَالْأَنْسَاب.
تعرب حسب القراءة وهنا أما قراءة حفص وابن كثير ففي إعرابها احتمالان: 1-أن تكون إن الساكنة النون مخففة من إن المؤكدة واللام الواقعة بعدها هي اللام الفارقة بين إن المثبتة المؤكدة وإن النافية المشبهة بليس. وعلي؛ تكون إن هنا مهملة والجملة الواقعة بعدها مبتدأ وخبر. 2-أن تكون إن نافية واللام الواقعة بمعنى إلا فيكون المعنى ما هذان إلا ساحران، وعليه فإنْ نافية وما بعدها مبتدأ وخبر. 3-أن يكون هناك ضمير مستتر وهو اسم إن والجملة الواقعة بعده خبر إن. ما هو اعراب ان هذان لساحران - إسألنا. وأما قراءة الجمهور فقد ذكر العلماء فيها عدة أقوال، وأوجهها أن هذين اسم إن وقد جاء الألف هنا بدلاً من الياء على لغة من يبدل الياء الساكنة بعد الفتح ألفاً وهي لغة خثعم وكنانة بن زيد وبني الحارث بن كعب وزبيد، وقد حكاها الفراء والكسائي والأخفش وأبو زيد الأنصاري شيخ سيبويه. وقد جاء على هذه اللغة قول الشاعر: فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى*** مساغاً لناباه الشجاع لصمما يعني لنابيه. وجاء عليها قول آخر: تزود منا بين أذناه ضربة***دعته إلى هابي التراب عقيم يعني بين أذنيه. وجاء عليها قول الراجز: طاروا علاهن فطر علاهما يعني: طاروا عليهن فطر عليهما. قال النحاس إن هذا الوجه من الإعراب هو أحسن الأوجه.
4- التبيان -الشيخ الطوسي- ج7 / ص181.