والاستثناء في إلا رحمة من ربك استثناء منقطع ؛ لأن النبيء - صلى الله عليه وسلم - لم يخامر نفسه رجاء أن يبعثه الله بكتاب من عنده بل كان ذلك مجرد رحمة من الله تعالى به واصطفاء له.
القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة القصص - الآية 85
د. القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة القصص - الآية 85. محمد خازر المجالي
لم يرِد أن شيئا من القرآن نزل أثناء الهجرة من مكة إلى المدينة، إلا هذه الآية من سورة القصص: "إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ" (الأية 85). أما الآية في سورة التوبة: "إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا…" (الآية 40)، فقد نزلت في قصة تبوك حين تقاعس الناس، فكان الحث لهم بأن الله ناصر نبيه كما نصره في الغار؛ فهي تذكير بنعمة قديمة آن أوان التذكير بها، كي لا يظن الناس أن الله محتاج لهم؛ فمن نصر نبيه وحيدا مع صاحبه في الغار، قادر على نصرته مجددا أمام أقوى الجيوش، ولكنها مشيئته سبحانه في الاختبار والابتلاء: "…. ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ…" (محمد، الآية 4)؛ فهذا الدين لا ينتصر بالمعجزات، بل بجهد أبنائه. واللافت في الآية من سورة القصص التعبير بـ: "فرض عليك القرآن"، ولم يأت هذا التعبير إلا هنا.
الباحث القرآني
فقد روي عن ابن عباس تفسير المعاد بذلك ، وكلا الوجهين يصح أن يكون مرادا على ما تقرر في المقدمة التاسعة. ثم تكون جملة قل ربي أعلم من جاء بالهدى بالنسبة إلى الوجه الأول بمنزلة التفريع على جملة لرادك إلى معاد ، أي رادك إلى يوم المعاد ، فمظهر المهتدي والضالين ، فيكون علم الله بالمهتدي والضال مكنى به عن اتضاح الأمر بلا ريب ؛ لأن علم الله تعالى لا يعتريه تلبيس ، وتكون هذه الكناية تعريضا بالمشركين أنهم الضالون. المصحف الإلكتروني - ترجمة القران الكريم ومعاني الكلمات. وأن النبيء - صلى الله عليه وسلم - هو المهتدي. ولهذه النكتة عبر عن جانب المهتدي بفعل من جاء ؛ للإشارة إلى أن المهتدي هو الذي جاء بهدي لم يكن معروفا من قبل كما يقتضيه: جاء بكذا ، وعبر عن جانب الضالين بالجملة الاسمية المقتضية ثبات الضلال المشعر بأن الضلال هو أمرهم القديم الراسخ فيهم مع ما أفاده حرف الظرفية من انغماسهم في الضلال وإحاطته بهم. ويكون المعنى حينئذ على حد قوله تعالى: وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين لظهور أن المبلغ لهذا الكلام لا يفرض في حقه أن يكون هو الشق الضال ، فيتعين أن الضال من خالفه. وبالنسبة إلى الوجه الثاني تكون بمنزلة الموادعة والمتاركة وقطع المجادلة. فالمعنى: عد عن إثبات هداك وضلالهم ، وكلهم إلى يوم ردك إلى معادك ، يوم يتبين أن الله نصرك وخذلهم.
المصحف الإلكتروني - ترجمة القران الكريم ومعاني الكلمات
لكن من يقول بأن المعاد هو مكة يقول: إن النبي لما أمر بالهجرة إلى المدينة فهاجر إليها اشتاق إلى بلده ومولده ومولد آبائه، فنزل جبريل عليه بهذه الآية بشارة في العود إليها ظاهراً عليهم قاهراً فاتحاً له مكة, هذا تأويل من يقول بأن المعاد هو مكة. ( قال): وجائز أن يكون على غير هذا، وهو يخرج على وجهين:
أحدهما: كأنه حزن على الفراق منهم إشفاقاً على هلاكهم لإخراجهم الرسول من بين أظهرهم, لأن الأمم السالفة إذا خرج من بينهم الرسل نزل بهم العذاب, فخاف أنهم لما أخرجوا من بين أظهرهم وأبوا إجابته أن يهلكوا أو يعذبوا فبشر بهذا أن ترد إليها وستعود إليهم، فيتبعونك ويؤمنون بك، وهم لا يهلكون إهلاك استئصال وتعذيب كسائر الأمم. والثاني: يذكر على الامتنان عليه, يقول: إن الذي أنزل عليك القرآن وألقاه عليك بعد ما لم تكن ترجو إلقاءه عليك وإنزاله، ولكن برحمته ومنته ألقاه إليك وأنزله عليك فعلى ذلك يردك إلى مكة بعد ما لم تكن ترجو ردك وعودك إليها ". قال صاحب الظلال: " «إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ». الباحث القرآني. فما هو بتاركك للمشركين، وقد فرض عليك القرآن وكلفك الدعوة. ما هو بتاركك للمشركين يخرجونك من بلدك الحبيب إليك، ويستبدون بك وبدعوتك، ويفتنون المؤمنين من حولك.
القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة القصص - الآية 85
[١٧]
بالهدى: الباء حرف جر، والهدى اسم مجرور بحرف الجر، وعلامة جرّه الكسرة المقدّرة على الألف للتعذر، والجار والمجرور متعلّقان بالفعل جاء، وجملة جاء بالهدى صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب. [١٧]
ومَن: الواو حرف عطف، ومن معطوفة على مَن السابقة فهي مثلها في الإعراب. [١٧]
هو: ضمير رفع منفصل مبني في محل رفع مبتدأ. [١٧]
في ضلالٍ: في حرف جر، وضلال اسم مجرور بحرف الجر، وعلامة جرّه الكسرة الظاهرة، والجار والمجرور متعلّقان بخبر محذوف للمبتدأ هو. [١٦]
مبين: صفة ضلال مجرورة وعلامة جرّها الكسرة الظاهرة، وجملة هو في ضلال مبين صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب.
حدثنا القاسم ، قال: ثنا الحسين ، قال: ثني عيسى بن يونس ، عن أبيه ، عن مجاهد قال: إلى مولدك بمكة. والصواب من القول في ذلك عندي: قول من قال: لرادك إلى عادتك من الموت ، أو إلى عادتك حيث ولدت ، وذلك أن المعاد في هذا الموضع: المفعل من العادة ، ليس من العود ، إلا أن يوجه موجه تأويل قوله: ( لرادك) لمصيرك ، فيتوجه حينئذ قوله: ( إلى معاد) إلى معنى العود ، ويكون تأويله: إن الذي فرض عليك القرآن لمصيرك إلى أن تعود إلى مكة مفتوحة لك. فإن قال قائل: فهذه الوجوه التي وصفت في ذلك قد فهمناها ، فما وجه تأويل من تأوله بمعنى: لرادك إلى الجنة ؟ قيل: ينبغي أن يكون وجه تأويله ذلك كذلك على [ ص: 642] هذا الوجه الآخر ، وهو لمصيرك إلى أن تعود إلى الجنة. فإن قال قائل: أوكان أخرج من الجنة ؟ ، فيقال له: نحن نعيدك إليها ؟ قيل: لذلك وجهان: أحدهما: أنه إن كان أبوه آدم صلى الله عليهما أخرج منها ، فكأن ولده بإخراج الله إياه منها ، قد أخرجوا منها ، فمن دخلها فكأنما يرد إليها بعد الخروج. والثاني أن يقال: إنه كان صلى الله عليه وسلم دخلها ليلة أسري به ، كما روي عنه أنه قال: " دخلت الجنة ، فرأيت فيها قصرا ، فقلت: لمن هذا ؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب " ، ونحو ذلك من الأخبار التي رويت عنه بذلك ، ثم رد إلى الأرض ، فيقال له: إن الذي فرض عليك القرآن لرادك لمصيرك إلى الموضع الذي خرجت منه من الجنة ، إلى أن تعود إليه ، فذلك إن شاء الله قول من قال ذلك.
ولعل السبب في ذلك يرجع إلى كثرة احتكاكهم بالموحدين من اليهود والنصارى الذين كانت تتألف منهم حينئذ جاليات كبيرة عربية وغير عربية في المدينة نفسها وفيما يتاخمها من مواطن. صحيح أنه قد ظهرت بمكة قبيل الإسلام مدرسة الحنفيين الموحدين الذين انحرفوا عن الشرك والوثنية (ومن أجل ذلك سموا بالحنفيين أي المنحرفين) وعبدوا الله وحده على ملة إبراهيم وأقاموا الصلاة وصاموا رمضان وكان من هؤلاء محمد بن عبد الله نفسه قبل أن يبعث رسولا، كما كأن منهم نفر من قريش، ولكن أعضاء هذه المدرسة كانوا يتألفون من بعض النابهين والمتفلسفين من سكان مكة، أما دهماء الشعب نفسه فكانت شديدة التعلق بدينها الوثني، سادرة في ظلالها القديم، تقتفي آثار آبائها فيما كانوا يعبدون. وهذا هو عكس ما كان عليه الأمر في المدينة. فمع أنه لم ينشأ في الأوس والخزرج مدرسة متفلسفة كمدرسة الحنفيين بمكة، فإن السواد الأعظم من الشعب نفسه كان مهيئاً تهيئة كبيرة لعقيدة التوحيد. علي عبد الواحد وافي