عن مثلهم من أول السند إلى مُنتهاه: فيخرُج بذلك حديث الآحاد ؛ وهو ما رواه واحدٌ في بعض طبقاته، ثُمّ تواتر بعد ذلك. كان مُستندهم الحسّ: فيخرُج بذلك القضايا العقائديّة التي تستندُ إلى العقل؛ كوحدانيّة الله -تعالى-، ويخرُج به القضايا العقليّة البحتة، كأن يُقال إنّ الواحد نصف الاثنين. ومن الأمثلة على الحديث المُتواتر قول النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام-: (مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) ، [٥] فقد روى هذا الحديث أكثر من سبعين صحابياً، وذهب المُحدّثون إلى أنّه لا يُشترطُ في رجال الحديث المُتواتر ما يُشترط في رجال الصحيح أو الحسن من العدالة والضبط؛ لأنّ العبرة بكثرتهم تجعل العقل يحكُم عليهم باستحالة اتّفاقهم على الكذب، فقرّر المُحدّثون أنّ الحديث المُتواتر لا يدخُل في عُلوم مُصطلح الحديث؛ لأنّ المُتواتر لا يحتاجُ إلى بحث بِخلاف غيره من الأحاديث.
تقسيم الخبر الواحد إلى المحفوف بالقرينة وعدمه الخبر الذي لم يبلغ حدَّ التواتر تارة يكون مجرّداً عن القرائن فلا يفيد العلم غالباً; وأُخرى يكون محفوفاً بها كما إذا أخبر شخص بموت زيد، ثمّ ارتفع النياح من بيته وتقاطر الناس إلى منزله، فهو يفيد القطع واليقين، وقد كثر النقاش في إفادته اليقين بما لا يرجع إلى محصّل، لأنّ المناقشين بُعداء عن الأحوال الاجتماعية التي تطرأ علينا كلّ يوم، فكم من خبر تؤيده القرائن فيصبح خبراً ملموساً لا يشكّ فيه أحد. إلى هنا خرجنا ببيان أقسام الخبر من حيث هو خبر، فحان حين البحث عن بيان أُصوله وهي الأربعة المعروفة و سنبحث عنها في الدّرس التالي. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1- وصول الأخيار إلى أُصول الأخبار:90. 2 - الرعاية في شرح الدراية:52. 3- مسلم: الصحيح:8، كتاب البرّ، الباب 15، الحديث 1. حل درس المتواتر والآحاد تربية إسلامية صف حادي عشر فصل ثاني – مدرستي الامارتية. وقد ألّف الشيخ الحرّ العاملي كتاباً باسم «الجواهر السنيّة في الأحاديث القدسيّة». 4- قوانين الأُصول:1/420. 5- قوانين الأُصول:1/420.
الحديث المُتواتر هيَ إحدى طُرُق الإخبار بالحديث النبويّ الشريف، حيث إنَّ كلمة التواتر في اللُغة تعني التتابع والتتالي، أمّا تعريف معنى الحديث المُتواتر في الاصطلاح الشرعيّ فهوَ الحديث الذي رواه جمعٌ من الرواه وعددٌ كثير منهُم بحيث يتّصف هؤلاء الرواة بالثقة والدقّة في النقل والأمانة والصِدق، ويستحيل أن يتّفقوا على الكذب ويتواطؤوا عليه. ونقصد بتواتر الحديث كما أسلفنا أن تتمّ روايته من عدد كبير، ولتوضيح هذا الأمر نُبيّن أنَّ عُلماء الحديث الذين اهتمّوا بالرجال الرواة للحديث قد قسّموا تاريخ الرواة من الرِجال إلى طبقات، وبالتالي فإنّ لكلّ سندٍ من الأسانيد طبقة من الرواة، وهُنا يكون الحديث المُتواتر هوَ رواية الحديث بعدد كبير من الرواة في كُلّ طبقة من طبقات سند هذا الحديث، حيث اختلفَ العُلماء في عدد الرواة الذي يكون عليهِ الحديث المُتواتر في كُلّ طبقة فكانَ أقلّ هذا الكثير هوَ عشرةٌ من الرواة ممن يتصفونَ بالأمانة والثقة واستحالة التواطؤ على الكذب. وحتّى يكونَ الحديث موصوفاً بالتواتر بينَ هؤلاء الرجال الكثرة الثقات من الرواة فيجب أن يكونَ مُرتبطاً بالحسّ لديهِم؛ كأن يكونَ خبرهُم المتواتر فيهِ أننا سمعنا أو رأينا وغير ذلك من المُسندات الحسيّة في الرواية، وبناء على دقّة الحديث المُتواتر ودقّة شُروطه فهوَ حديث يُؤخذ به بشكل لا يقبل التردّد وبشكلٍ جازمٍ قاطع، فهوَ حديثٌ صادقٌ صحيح مقبولٌ عندَ جميعِ أهل العِلم.
هذا، والله أعلى وأعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
(انظر: تفسير السعدي ص340). أفلا يستحق هذا الذي عمل للعباد كل ذلك، وامتن عليهم بذلك أن يُعبد وحده لا شريك له، وأن يستغفر من كل ذنب ومعصية. وان استغفروا ربكم ثم توبوا اليه يمتعكم. إن بعض الناس يتقلب في نعم الله _تعالى_ من كل جانب، إلا أن هذه النعم تقابل بالعصيان والكفران، مما يكون سبباً في زوالها، وهذا له نظائر وأمثلة كثيرة في القرآن "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ" (النحل:112). وإذا شئنا أن نتقلب في النعيم فلا بد لنا من المحافظة على قربنا من الله _تعالى_ بكثرة الذكر والاستغفار والبعد عن الذنوب. 6- عدم الاستغفار سبب مشاقة الدعوات: يدعو شعيب – عليه السلام – قومه إلى عدم مشاقته، محذراً إياهم من العذاب: "وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُود" (هود:89، 90).
ولا يخفى أن هذه الآية قد أتت على جلّ فوائد الاستغفار، واختصرتها في كلام جامع معجز. بقي أن أشير إلى أمور مهمة، أذكرها دون تفصيل، وأسأل الله _تعالى_ أن ييسّر الوقت للحديث عنها بتوسع، أو أن يقيض من يتحدث عنها بتوسع. 1- نلاحظ أن الأنبياء بيّنوا أثر الاستغفار على الأمم، وهو – بلا شك – أثر على الأفراد من باب الأوْلى. 2- إن هذه الفوائد العظيمة للاستغفار جديرة بأن تتأمل، وأن يسعى الإنسان في الحصول عليها بكل ما أوتي من قوة. 3- إن حرص الأنبياء ودعوتهم إلى الاستغفار يدلان على أهميته الكبيرة. 4- علاقة الاستغفار بالذنب علاقة واضحة، وحاجة المرء إلى الاستغفار بقدر مقارنته الذنوب، ولذلك فهو لا ينفك عن الاستغفار. استغفروا ربكم ثم توبوا اليه المخلوقات. 5- إن الشرك والكفر والنفاق كلها موانع لمغفرة الله _تعالى_، يقول _تعالى_: " إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ... " (النساء: من الآية48)، ويقول _تعالى_: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ... " (النساء: من الآية137)، ويقول _تعالى_: "سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ... " (المنافقون: من الآية6).
وفي المدينة المنورة أدى جموع المصلين اليوم صلاة الاستسقاء في المسجد النبوي الشريف يتقدمهم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينة المنورة،حيث أمّ المصلين فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور صلاح بن محمد البدير الذي بين في خطبته أن طمأنينة النفس وقرة العين وسكينة الفؤاد وسعادة الروح أن يكون العبد منكسراً بين يدي مولاه متذللاً لعظمته. وقال فضيلته:"من كملت عظمة الحق تبارك تعالى في قلبه علم قدر نفسه وافتقاره إلى خالقه في كل طرفة عين وانتباهتها وأن الله هو المنفرد بالغنى وحده لا شريك له ، * فحسبنا الله لما انابنا إياه نرجو وبه نستعين فإذا انحبست الأمطار وجفّت العيون والآبار وعطشت النخيل والأشجار وأصبحت الأرض هامدة يابسة متطامنة قد انصاحت جبالها ويبست رياضها واغبرّت دروبها فلا يملك غياثها إلا الربّ الكريم الذي يدبر أمر الخلائق ولا يشغله شأن عن شأن ولا تغلّظه المسائل ولا يتبرم بإلحاح الملحين ولا يلهيه تدبير الكبير عن الصغير بقدرته العظيمة ومنّته العميمة ". وأضاف " العطايا من فضله تُرتَقَب، وهو المرجوُّ لكشف الكُرَب، فكم مِنَح أعطا، وكم مِحنٍ كفى، له الحمدُ والشكرانُ والمنُّ أجمعُ، يعفو ويمحو ويصفح ، ويغفر ويستر ويمنح "، مبيناً أنه بالاستغفار تكفّر الذنوب السالفة والخطايا السابقة ، ومن أكثر الاستغفار يسر الله رزقه وسهّل عليه أمره وحفظ عليه شأنه.
كما تقدم المصلين في منطقة حائل صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعد بن عبدالعزيز أمير المنطقة بجامع الملك فهد بحائل، وفي المنطقة الشرقية تقدم صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز أمير المنطقة الشرقية وصاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن فهد بن سلمان بن عبدالعزيز نائب أمير المنطقة جموع المصلين بجامع الملك فهد بمحافظة الخبر، وفي محافظة الأحساء تقدم صاحب السمو الأمير بدر بن محمد بن جلوي محافظ الأحساء جموع المصلين بجامع خادم الحرمين الشريفين بالهفوف.
فالجميع صائمون ليس بعض الناس فقط، وبالتالي فإنّ روح الخشوع والخضوع ترفرف في أجواء المجتمع، الأمر الذي يعين المقصرين، ويحفزهم على بذل مزيدٍ من الجهد، كما أنه يحفز المجتهدين إلى مزيدٍ من البذل من أجل الترقي في مراتب إحسان العبادة، والتّقرب إلى الله عزّ وجلّ. يقول ابن رجب: "وَأَمَّا الِاسْتِغْفَارُ مِنَ الذُّنُوبِ، فَهُوَ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ، وَالْعَبْدُ أَحْوَجُ شَيْءٍ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ يُخْطِئُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ" وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَالْأَمْرُ بِهِمَا، وَالْحَثُّ عَلَيْهِمَا، وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ». وَخَرَّجَ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً» وَخَرَّجَهُ النَّسَائِيُّ، وَلَفْظُهُ «إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ».
فرمضان فرصة عظيمة لكل مذنب ـ وكلنا ذاك الرجل ـ أن ينطلق في باحة الطاعة الرحبة بعد أن كان في قبضة الشيطان أو كاد، بعد أن فُكَّت عنه القيود، و حُلَّت الأصفاد. ويعجب البعض من جرأة الناس على انتهاك حرمة الشهر المبارك بالولوج إلى سجن المعصية، والتلطخ بأوحال الذنوب، والوقوع في شراك السيئة، وقد فُقد المحرِّض، وزال الموسوس، وغاب المُزين … فما معنى تصفيد الشياطين وما زال الناس يقعون في الذنوب والمعاصي؟!