{ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} [الأنعام: 7] ذكر الأيدي وتقييد اللمس بها يدلّ على عموميّة في مفهوم اللمس. { أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43] يراد المقاربة والجماع كناية ، وقد استعمل الفعل في معناه الحقيقي ، وأريد منه المعنى اللازم كناية. معنى كلمة من أجل. {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} [الجن: 8] يراد لمس السماء الروحاني عمّا وراء المادّة ، فانّ الجنّ من الملكوت السفلى ، ولا يناسب لمسهم السماء المادّيّ المحسوس لنا. وقد مرّ في الشهب: أنّ المراد بها في المورد: القوى الروحانيّة والأنوار الحادّة والنافذة الصادعة المتجليّة في ذلك العالم ، كما المراد من الحرس: الّذين يراقبون السماء. فلمسهم بظواهر أبدانهم الجسمانيّة المخصوصة لهم. ويكون المراد من السماء الملموس لهم: عالم الملكوت العليا ، وهو عالم الملائكة ، فالجنّ بكونهم من الملكوت السفلى يمنعون تكوينا وخارجا من الورود في عالم الملائكة ، ولا يستطيعون الصعود اليها. { لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ} [الحديد: 13] النور هو الشدّة والكمال ، وكلما اشتدّت مراتب النور اشتدّ الكمال ، وتقوية جانب النور إنما يتحصّل بتضعيف أسباب الظلمة والكدورة ، وهي تنشأ من سوء الأخلاق والصفات النفسانيّة ومن فساد الأعمال ومن اتّباع الشهوات ، كما أنّ النورانيّة انّما تنشأ من تزكية القلب وتطهير العمل واطاعة الربّ عزّ وجلّ ومخالفة الهوى والتمايلات النفسانيّة.
{إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} [آل عمران: 120]. {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود: 113]. {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} [آل عمران: 140] هذه اشارة الى التخلّفات. ___________________________ - مصبا = مصباح المنير للفيومي ، طبع مصر 1313 هـ. - مقا = معجم مقاييس اللغة لابن فارس ، ٦ مجلدات ، طبع مصر. ١٣٩ هـ.
مصبا- مسسته من باب تعب ، وفي لغة من باب قتل: أفضيت اليه بيدي من غير حائل ، هكذا قيّدوه ، والاسم المسيس. ومسّ امرأته مسّا ومسيسا: كناية عن الجماع ، وماسّها مماسّة كذلك. ومسّت الحاجة إلى كذا: ألجأت. وماسّه مماسّة ومساسا: بمعنى مسّه. وتماسّا: مسّ كلّ واحد الآخر. ومسّ الماء جسدا: أصابه. ويتعدّى الى ثان بالحرف وبالهمزة فيقال: مسست الجسد بماء ، وأمسسته ماء. مقا- مسّ: أصل صحيح واحد يدلّ على جسّ الشيء باليد ، ومسسته أمسّه ، وربّما قالوا مسست أمسّ. والممسوس: الّذى به مسّ ، كأنّ الجنّ مسّته. والمسوس من الماء: ما نالته الأيدي. معنى قولى تعالى : المس - الفجر للحلول. والتحقيق أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو إصابة في لمس ، سواء كان بإرادة وإحساس أم لا ، وسواء كان باليد أو بغير ذلك. وقد سبق في اللمس والمسح الفرق بينها. فالمسّ لا يدلّ بأزيد من هذا ، فإذا أطلقت المادّة يراد منها مطلق مفهوم إصابة شيء في لمس. فالمسّ المطلق: كما في-. {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 78، 79] أي مسّ بالبدن أو اليد أو بالقلب وبإرادة أو بغيرها. وإن كان الظاهر هو المسّ بالقلب وبالارادة والاحساس. والمسّ المادّيّ: كما في- {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] التماسّ من الزوجين يراد منه الجماع ، وهذا كناية والكناية حقيقة وأبلغ من التصريح.