فالمعنى الأوّل أكثر انسجاماً مع ظاهر الآية، إلاّ أنّ المعنى الثّاني أنسب للحال، واللّه العالم. وتدخل الآية التالية في تفصيل أكثر لمصير الفجّار: (يصلَونها يوم الدين). فإذا كانت الآية السابقة تشير إلى أنّ الفجّار هم في جهنّم حالياً، فسيكون إشارة هذه الآية، إلى أنّ دخولهم جهنّم سيتعمق، وسيحسون بعذاب نارها، بشكل أشدّ. "يصلون": من (المصلى) على وزن (سعي)، و"صلى النّار": دخل فيها، ولكون الفعل في الآية قد جاء بصيغة المضارع، فإنّه يدل على الإستمرار والملازمة في ذلك الدخول. ولزيادة التفصيل، تقول الآية التالية: (وما هم عنها بغائبين). اعتبر كثير من المفسّرين كون الآية دليلاً على خلود الفجّار في العذاب، وخلصوا إلى أنّ المراد بـ "الفجّار" هم "الكفّار"، لكون الخلود في العذاب يختص بهم دون غيرهم. فـ "الفجّار": إذَن: هم الذين يشقون ستر التقوى والعفة بعدم إيمانهم وتكذبيهم بيوم الدين، ولا يقصد بهم - في هذه الآيات - اُولئك الذي يشقّون الستر المذكور بغلبة هوى النفس مع وجود حالة الإيمان عندهم. تفسير قوله تعالى: يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر. وإتيان الآية بصيغة زمان الحال تأكيداً لما أشرنا إليه سابقاً، من كون هؤلاء يعيشون جهنّم حتّى في حياتهم الدنيا (الحالية) أيضاً... (وما هم عنها بعائبين)، فحياتهم بحدّ ذاتها جهنّماً، وقبورهم حفرة من حفر النيران (كما ورد في الحديث الشريف)، وعليه فجهنّم القبر والبرزخ وجهنّم الآخرة... كلّها مهيأة لهم.
وَالْأَمْرُ: الواو حرف استئناف الْأَمْرُ: مبتدأ يَوْمَئِذٍ: ظرف زمان مضاف إلى مثله متعلق بمحذوف خبر المبتدأ لِلَّهِ: متعلقان بالخبر المحذوف والجملة الاسمية مستأنفة. لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً: من المنفعة. وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ: أي لا أمر لغيره فيه، فلا يمكّن أحد من التوسط فيه. والمقصود بالآية تقرير شدة هول ذلك اليوم، وتفخيم أمره إجمالاً.
(وَما) الواو حرف استئناف و(ما) اسم استفهام مبتدأ (أَدْراكَ) ماض ومفعوله والفاعل مستتر والجملة خبر المبتدأ والجملة الاسمية مستأنفة و(ما سِجِّينٌ) مبتدأ وخبره والجملة سدت مسد المفعول الثاني لأدراك.. إعراب الآية (9): {كِتابٌ مَرْقُومٌ (9)}. (كِتابٌ) بدل من سجين و(مَرْقُومٌ) صفة كتاب.. إعراب الآية (10): {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10)}. (وَيْلٌ) مبتدأ و(يَوْمَئِذٍ) ظرف زمان مضاف إلى مثله و(لِلْمُكَذِّبِينَ) خبر المبتدأ والجملة مستأنفة لا محل لها.. يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله من. إعراب الآية (11): {الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11)}. (الَّذِينَ) صفة المكذبين و(يُكَذِّبُونَ) مضارع وفاعله والجملة صلة الذين و(بِيَوْمِ) متعلقان بالفعل و(الدِّينِ) مضاف إليه.. إعراب الآية (12): {وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)}. (وَما) الواو حالية و(ما) نافية (يُكَذِّبُ) مضارع مرفوع و(بِهِ) متعلقان بالفعل و(إِلَّا) حرف حصر و(كُلُّ) فاعل مضاف إلى (مُعْتَدٍ) و(أَثِيمٍ) صفة والجملة حال.. إعراب الآية (13): {إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13)}. (إِذا) ظرفية شرطية غير جازمة و(تُتْلى) مضارع مبني للمجهول و(عَلَيْهِ) متعلقان بالفعل و(آياتُنا) نائب فاعل والجملة في محل جر بالإضافة.
وقِيلَ: هو نَصْبٌ عَلى الظَّرْفِيَّةِ بِإضْمارِ يُدانُونَ أوْ يَشْتَدُّ الهَوْلُ أوْ نَحْوِهِ مِمّا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّياقُ، أوْ هو مَبْنِيٌّ عَلى الفَتْحِ مَحَلُّهُ الرَّفْعُ عَلى أنَّهُ بَدَلٌ مِن ( يَوْمُ الدِّينِ) وكَلاهُما لَيْسا بِذاكَ لِخُلُوِّهِما عَنْ إفادَةِ ما أفادَهُ ما قَبْلُ. وقَرَأ ابْنُ أبِي إسْحاقَ وعِيسى وابْنُ جُنْدُبٍ وابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو: «يَوْمُ» بِالرَّفْعِ بِلا تَنْوِينٍ عَلى أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ أيْ: هو يَوْمٌ لا بَدَلٌ لِما سَمِعْتَ آنِفًا. وقَرَأ مَحْبُوبٌ عَنْ أبِي عَمْرٍو: «يَوْمٌ» بِالرَّفْعِ والتَّنْوِينِ فَجُمْلَةُ: ﴿لا تَمْلِكُ﴾ إلَخْ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ لَهُ، والعائِدُ مَحْذُوفٌ؛ أيْ: فِيهِ والأمْرُ كَما قالَ في الكَشْفِ واحِدُ الأوامِرِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ﴾ فَإنَّ الأمْرَ (p-67)مِن شَأْنِ المَلِكِ المُطاعِ واللّامُ لِلِاخْتِصاصِ أيِ الأمْرُ لَهُ تَعالى لا لِغَيْرِهِ سُبْحانَهُ لا شَرِكَةَ ولا اسْتِقْلالًا؛ أيْ: إنَّ التَّصَرُّفَ جَمِيعَهُ في قَبْضَةِ قُدْرَتِهِ عَزَّ وجَلَّ لا غَيْرَ. إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة الانفطار - القول في تأويل قوله تعالى " وإن الفجار لفي جحيم ". وفي تَحْقِيقِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا﴾ لِدَلالَتِهِ عَلى أنَّ الكُلَّ مَسُوسُونَ مُطِيعُونَ مُشْتَغِلُونَ بِحالِ أنْفُسِهِمْ مَقْهُورُونَ بِعُبُودِيَّتِهِمْ لِسَطَواتِ الرُّبُوبِيَّةِ، وقِيلَ: واحِدُ الأُمُورِ أعْنِي الشَّأْنَ ولَيْسَ بِذاكَ.
وجملة: (إنّ الفجّار لفي جحيم) لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة. وجملة: (يصلونها) لا محلّ لها استئناف بيانيّ. وجملة: (ما هم عنها بغائبين) لا محلّ لها معطوفة على جملة يصلونها. البلاغة: الوصل: في قوله تعالى: (إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجّار لفي جحيم). في الكلام- من مقتضيات الوصل- اتفاق الجملتين في الخبرية والإنشائية مع الاتصال، أي الجامع بينهما هنا التضاد.. يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله وانا اليه راجعون. إعراب الآيات (17- 19): {وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)}. الإعراب: الواو استئنافيّة (ما) اسم استفهام في محلّ رفع مبتدأ في المواضع الأربعة (يوم) خبر المبتدأ ما الثاني والرابع (يوم) الثالث متعلّق بفعل محذوف تقديره يجازون، (لا) نافية (لنفس) متعلّق ب (تملك) بتضمينه معنى تقدّم الواو حاليّة (يومئذ) ظرف منصوب- أو مبنيّ- بدل من يوم الأخير (للّه) خبر المبتدأ (الأمر). جملة: (ما أدراك) لا محلّ لها استئنافيّة. وجملة: (أدراك) في محلّ رفع خبر المبتدأ (ما). وجملة: (ما يوم) في محلّ نصب مفعول به ثان لفعل أدراك. وجملة: (ما أدراك) لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
(قالَ) ماض فاعله مستتر والجملة جواب الشرط لا محل لها و(أَساطِيرُ) خبر لمبتدأ محذوف و(الْأَوَّلِينَ) مضاف إليه والجملة الاسمية مقول القول.. إعراب الآية (14): {كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (14)}. (كَلَّا) حرف ردع وزجر و(بَلْ) حرف انتقال وإضراب (رانَ) ماض مبني على الفتح و(عَلى قُلُوبِهِمْ) متعلقان بالفعل و(ما) فاعل ران والجملة مستأنفة لا محل لها (كانُوا) ماض ناقص والواو اسمه (يَكْسِبُونَ) مضارع مرفوع والواو فاعله والجملة خبر كان وجملة كانوا.. صلة ما.. إعراب الآية (15): {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)}. يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله وان اليه راجعون. (كَلَّا) حرف ردع وزجر (إِنَّهُمْ) إن واسمها و(عَنْ رَبِّهِمْ) متعلقان بالخبر (يَوْمَئِذٍ) ظرف زمان مضاف إلى مثله والجملة مستأنفة لا محل لها (لَمَحْجُوبُونَ) خبر واللام المزحلقة.. إعراب الآية (16): {ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (16)}. (ثُمَّ) حرف عطف (إِنَّهُمْ) إن واسمها واللام المزحلقة و(صالوا) خبر إن المرفوع بالواو وحذفت النون للإضافة و(الْجَحِيمِ) مضاف إليه والجملة معطوفة على ما قبلها.. إعراب الآية (17): {ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17)}.