بتصرّف. ↑ مجموعة من المؤلفين، موجز دائرة المعارف الإسلامية ، صفحة 753. بتصرّف.
وأما مضاء عزيمتها وعزة نفسها وشجاعتها فتنبؤنا عنها كلماتها لابنها عبدالله لما دخل عليها وهي عمياء وقد بلغت مئة سنة قال لها: يا أماه ما ترين! قد خذلني الناس وخذلني أهل بيتي قالت: لا يلعبن بك صبيان بني أمية، عش كريمًا ومت كريمًا والله إني لأرجو أن يكون عزائي فيك حسنًا بعد أن تقدمتني وتقدمتك فإن في نفسي منك حرجًا حتى أنظر إلى ما يصير أمرك قالت: اللهم ارحم طول ذاك النحيب والظمأ في هواجر المدينة ومكة وبره بأمه، اللهم! إني قد سلمت فيه لأَمرك ورضيت فيه بقضائك فأثبني في عبدالله ثواب الشاكرين. فرد عنها وقال: أماه! لا تدعي الدعاء لي قبل قتلي ولا بعده. قالت: لن أدعه لله، فمن قتل على باطل فقد قتلت على حق. فخرج. وفي رواية أن عبدالله دخل ليودعها وكان يكره أن يأتيها فتعزم عليه أن يأخذ الأمان، فدخل عليها وقد كف بصرها فسلم، فقالت: من هذا؟ فقال: عبدالله. فتشممته ثم قالت: يا بني! مت كريمًا. فقال لها: إن هذا قد أمنني (يعني الحجاج) قالت: يا بني! لا ترضى الدنية، فإن الموت لا بد منه. اسماء بنت ابو بكر الصديق. قال: إني أخاف أن يمثل بي، قالت: إن الكبش إذا ذبح لم يأمن السلخ، فخرج، فقاتل حتى قتل. وفي رواية أخرى أن عبدالله بن الزبير دخل على أمه حيث رأى من الناس ما رأى من خذلانهم إياه فقال: يا أماه خذلني الناس حتى ولدي وأهلي فلم يبق معي إِلا اليسير ممن ليس عنده أكثر من صبر ساعة، والقوم يعطونني ما أردت من دنيا فما رأيك؟ فقالت: أنت والله يا بني أعلم بنفسك إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض له، فقد قتل عليه أصحابك ولا تُمكن من رقبتك يتلعب بها غلمان بني أمية، وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت أهلكت نفسك وأهلكت من قتل معك، وإن قلت كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدين، وكم خلودك في الدنيا؟ القتل أحسن.
قال: جئت لأستشيرك. قالت: تستشيرني... في ماذا؟! قال: لقد خذلني الناس وانحازوا عني رهبة من الحجاج أو رغبة بما عنده حتى أولادي وأهلي انفضوا عني، ولم يبق معي إلا نفر قليل من رجالي، وهم مهما عظم جلدهم فلن يصبروا إلا ساعة أو ساعتين... وأرسل بني أمية يفاوضونني على أن يعطونني ما شئت من الدنيا إذا ألقيت السلاح وبايعت عبد الملك بن مروان، فما ترين؟ فعلا صوتها وقالت: الشأن شأنك يا عبد الله، و أنت أعلم بنفسك... فإن كنت تعتقد أنك على حق، و تدعوا إلى حق،فاصبر وجالد كما صبر أصحابك الذين قتلوا تحت رايتك... وإن كنت إنما أردت الدنيا فلبئس العبد أنت... أهلكت نفسك، وأهلكت رجالك. قال: ولكني مقتول اليوم لا محالة. قالت: ذلك خير لك من أن تسلم نفسك للحجاج مختارًا، فيلعب برأسك غلمان بني أمية. صفات السيدة أسماء بنت أبي بكر - موضوع. قال: لست أخشى القتل، وإنما أخاف أن يمثِّلوا بي. قالت: ليس بعد القتل ما يخافه المرء فالشاة المذبوحة لا يؤلمها السلخ فأشرقت أسارير وجهه وقال: بوركتِ من أم، وبوركت مناقبك الجليلة؛ فأنا ما جئت إليك في هذه الساعة إلا لأسمع منك ما سمعت، والله يعلم أنني ما وهنت ولا ضعفت، وهو الشهيد علي أنني ما قمت بما قمت به حبا بالدنيا وزينتها، وإنما غضباً لله أن تستباح محارمه... وهاأنذا ماض إلى ما تحبين، فإذا أنا قتلت فلا تحزني علي وسلمي أمرك لله قالت: إنما أحزن عليك لو قتلت في باطل.