خرجه مسلم. وفي رواية أخرى قال: فجعل المؤمنون يعاتب بعضهم بعضا. تفسير قوله تعالى: { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله }. وعن ابن عباس قال: إن الله استبطأ قلوب المهاجرين فعاتبهم، على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن، بهذه الآية. فهذه الآية تتضمن توبيخا وعتابا لمن سمع هذا السماع، ولم يحدث له في قلبه صلاحا ورقة وخشوعا، فإن هذا الكتاب المسموع يشتمل على نهاية المطلوب، وغاية ما تصلح به القلوب، وتنجذب به الأرواح، المعلقة بالمحل الأعلى إلى حضرة المحبوب، فيحيا بذلك القلب بعد مماته، ويجتمع بعد شتاته، وتزول قسوته بتدبر خطابه وسماع آياته، فإن القلوب إذا أيقنت بعظمة ما سمعت، واستشعرت شرف نسبة هذا القول إلى قائله، أذعنت وخضعت. فإذا تدبرت ما احتوى عليه من المراد ووعت، اندكت من مهابة الله وإجلاله، وخشعت. فإذا هطل عليها وابل الإيمان من سحب القرآن، أخذت ما وسعت، فإذا بذر فيها القرآن من حقائق العرفان، وسقاه ماء الإيمان، أنبتت ما زرعت وترى الأرض هامدة فإذا أنـزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج فانظر إلى آثار رحمت الله كيف يحيي الأرض بعد موتها ومتى فقدت القلوب غذاءها، وكانت جاهلة به، طلبت العوض من غيره، فتغذت به، فازداد سقمها بفقدها ما ينفعها والتعوض بما يضرها.
وفي الجملة فسماع القرآن ينبت الإيمان في القلب، كما ينبت الماء البقل. وسماع الغناء ينبت النفاق، كما ينبت الماء البقل. ولا يستويان حتى يستوي الحق والبطلان وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور والله تعالى المسؤول أن يهدينا وسائر إخواننا المؤمنين إلى صراط مستقيم، صراط الذين أنعم عليهم غير المغضوب عليهم، ولا الضالين آمين والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وآله وصحبه أجمعين.
تفسير قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ﴾ وقال - رحمه الله تعالى - في سياق الآيات في باب ذكر الموت وقصر الأمل: [وقال تعالى: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16]، والآيات في الباب كثيرة معلومة]. قال سَماحة العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: قال المؤلِّف النوويُّ رحمه الله في كتابه رياض الصالحين، الكتاب الموافق لاسمه؛ فإنه رياض، رياض لأهل الصلاح، فيه من الأحكام الشرعية، والآداب المرعية، ما يزيد به إيمان العبد، ويستقيم به سيرُه إلى الله عز وجل، ومعاملته مع عباد الله؛ ولهذا كان بعض الناس يحفظه عن ظهر قلب؛ لما فيه من المنفعة العظيمة. هذا الكتاب كان من جملة أبوابه: باب ذكر الموت وقصر الأمل، وذكر المؤلِّف فيه آيات متعددة، سبق الكلام عليها، وآخرها قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ... ألم يأن للذين امنوا ان تخشع Mp3 - البوماتي. ﴾ [الحديد: 16]؛ يعني ألم يأتِ الوقتُ الذي تخشع فيه قلوبُ المؤمنين لذِكر الله عزَّ وجلَّ؟ والخشوع معناه الخضوع والذل، ﴿ لِذِكْرِ اللهِ ﴾ يعني عند ذِكرِه، فإن المؤمنين ﴿ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2].
والقرآن تذكر فيه أسماء الله، وصفاته وأفعاله، وقدرته وعظمته، وكبرياؤه وجلاله، ووعده ووعيده. والأغاني إنما يذكر فيها: صفات الخمر والصور المحرمة، الجميلة ظاهرها المستقذر باطنها التي كانت ترابا، وتعود ترابا. فمن نزل صفاتها على صفات من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فقد شبه، ومرق من الإسلام، كما - يمرق السهم من الرمية. وقد رئي بعض مشايخ القوم في النوم بعد موته. فسئل عن حاله فقال: أوقفني بين يديه، ووبخني، وقال: كنت تسمع وتقيسني بسعدى ولبنى. وقد ذكر هذا المنام أبو طالب المكي، في كتاب "قوت القلوب ". وإن ذكر في شيء من الأغاني التوحيد، فغالبه من يسوق ظاهره إلى الإلحاد: من الحلول والاتحاد، وإن ذكر شيء من الإيمان والمحبة، أو توابع [ ص: 383] ذلك، فإنما يعبر عنه بأسماء قبيحة، كالخمر وأوعيته ومواطنه وآثاره، ويذكر فيه الوصل والهجر، والصدود والتجني. ألم يأن للذين أمنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله - د. إبراهيم بن فهد الحواس - YouTube. فيطرب بذلك السامعون، وكأنهم يشيرون، إلى أن الله تعالى، يفعل مع عباده المحبين له المتقربين إليه، كما يذكرونه. فيبعد ممن يتقرب إليه، ويصد عمن يحبه ويطيعه، ويعرض عمن يقبل عليه. وهذا جهل عظيم فإن الله تعالى يقول، على لسان رسوله الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم -: "من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة".
مرحباً بالضيف