وان كنت انما بلغت قعر تابوتك, وتجافيت عن بعض قوتك, وعطرت اردانك, وجررت هميانك, واختلت في مشيتك, وحذفت فضول لحيتك, واصلحت شاربك, ومططت حاجبك, ورفعت خط عذارك, واستانفت عقد ازارك, رجاء الاكتنان فيهم, وطمعا في الاعتداد منهم, فظننت عجزا, واخطات استك الحفرة. والله لو كساك محرق البردين, وحلّتك مارية بالقرطين, وقلدك عمرو الصمصامة, وحملك الحارث على النعامة, ما شككت فيك, ولا سترت اباك, ولا كنتَ الا ذاك. وهبك ساميتهم في ذروة المجد والحسب, وجاريتهم في غاية الظرف والادب, اليس تأوي الى بيت قعيدته لكاع, اذا كلهم عزب خالي الذراع! ديوان ابن زيدون - الديوان. واين من انفرد به ممن لا اغلب الا على الاقل الاخس منه! وكم بين من يعتمدني بالقوة الظاهرة, والشهوة الوافرة, والنفس المصروفة الي, واللذة الموقوفة علي, وبين اخر قد نضب غديره, ونزحت بيره, وذهب نشاطه, ولم يبقى الا ضراطه! وهل يجتمع لي فيك الا الحشف وسوء الكيلة, ويقترن علي فيك بك الا الغدة والموت في بيت سلولية! تعالى الله يا سلم بن عمرو أذل الحرص اعناق الرجال ما كان اخلفك بان تقدر بذراعك, وتربع علي ضلعك, ولاتكن براقش الدالة على اهلها, وعنز السوء المستثيرة لحتفها, فما اراك الا سقط العشاء بك على سرحان, وبك لا بظبي أعفر, أعذرت ان اغنيت شيا, واسمعت لو ناديت حيا ان العصا قرعت لذي الحلم والشيئ تحقره وقد ينمي وان بادرت بالندامة, ورجعت على نفسك بالملامة, كنت قد اشتريت العافية لك بالعافية منك, وان قلت: ((جعجعة بلا طحن)), و ((رب صلف تحت الراعدة)), وانشدت: لا يؤيسنك من مخدرة قول تغلظه وان جرحا فعدت لما نهيت عنه, وراجعت ما استعفيت منه, بعث من يزعجك الى الخضراء دفعا, ويستحثك نحوها وكزا وصفعا.
[٦] قد جرت محاكمته أمام فقيه الأندلس ابن المكوي المالكي، وقد كان بينه وبين ابن زيدون عداوة قديمة، ممّا جعله يشدّد في أمره، ولمّا عرضتْ القضيّة عليه أمر بسجنه على الفور، فأصبح ابن زيدون يكتب الأشعار يوضّح لابن جهور -وهو الذي يقف وراء هذا السجن- ينفي فيها ما جاء به الوشاة وبراءته مما نسب إليه، ولمّا فقد الأمل من عفو الخليفة قرّر الهروب من السّجن وهرب فعلًا.
أَضحى التَنائي بَديلاً مِن تَدانينا وَنابَ عَن طيبِ لُقيانا تَجافينا أَلّا وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ صَبَّحَنا حَينٌ فَقامَ بِنا لِلحَينِ ناعينا مَن مُبلِغُ المُلبِسينا بِاِنتِزاحِهِمُ حُزناً مَعَ الدَهرِ لا يَبلى وَيُبلينا أَنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا أُنساً بِقُربِهِمُ قَد عادَ يُبكينا