وقوله: ( وأطْعِمُوا البائِسَ الفَقِيرَ) يقول: وأطعموا مما تذبحون أو تنحرون هنالك من بهيمة الأنعام من هديكم وبُدنكم البائس, وهو الذي به ضرّ الجوع والزمانة والحاجة, والفقير: الذي لا شيء له. وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( فَكُلُوا مِنْها وأطْعِمُوا البائِسَ الفَقِيرَ) يعني: الزَّمِن الفقير. حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن رجل, عن مجاهد: ( البائِسَ الفَقِيرَ) الذي يمد إليك يديه. هل الغزال من بهيمة الانعام. حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: ( البائِسَ الفَقِيرَ) قال: هو القانع. حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: أخبرني عمر بن عطاء, عن عكرمة, قال: البائس: المضطر الذي عليه البؤس- والفقير: المتعفِّف. قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, قوله: (البائِسَ) الذي يبسط يديه.
أحل لنا سبحانه كل طيب نافع ؛ وحرم علينا كل ضار خبيث. فضل من الله ورحمة منه بعباده فهو خالقهم وهو أعلم بما يصلحهم وما يفسدهم لأنه صاحب الصنعة. ولما ترك المخلوق أوامر الخالق واخترع لنفسه تشريعاً دب الفساد في أوصاله الجسدية والأخلاقية والمجتمعية وتفشى الضرر. فالله وحده له حق الحكم والأمر في خلقه ولا يحكم أو يأمر إلا بحكمة لا يملكها المخلوق بل لا يصل إلى فهمها إلا بإذن الخالق سبحانه. قال تعالى: { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ}[المائدة:1]. قال السعدي في تفسيره: قال ممتنا على عباده: { أُحِلَّتْ لَكُمْ} أي: لأجلكم، رحمة بكم { بَهِيمَةُ الأنْعَامِ} من الإبل والبقر والغنم، بل ربما دخل في ذلك الوحشي منها، والظباء وحمر الوحش، ونحوها من الصيود. واستدل بعض الصحابة بهذه الآية على إباحة الجنين الذي يموت في بطن أمه بعدما تذبح. بهيمة الأنعام هي - الفجر للحلول. { إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} تحريمه منها في قوله: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزيرِ} إلى آخر الآية. فإن هذه المذكورات وإن كانت من بهيمة الأنعام فإنها محرمة.
-وقوله تعالى: { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِۗ} [الآية 34-الحج]. حين خلق الله الكون أعده لحياة الإنسان قبل أن يخلق فحين طرأ الإنسان على الكون وجد فيه قوام الحياه من الجماد والنبات والحيوان وقمة المسخرات للإنسان هي الحيوان ويشترك الحيوان مع الإنسان في أن له حياه ودماء وجوارح وجاء الحق هنا بالإعلان عن أعلى منزلة في خدمة الإنسان وهي بهيمة الأنعام. ويقول تعالى: { أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} وأحلت جاءت بصيغة المبنى للمجهول لأن الإيمان جعلنا طرف في أن تكون بهيمة الأنعام حلا لنا. واختلف أهل التأويل في بهيمة الأنعام التى ذكرها الله في هذه الآية فقال بعضهم هي الأنعام كله. ا وقيل"بهيمة الأنعام" هي الإبل والبقر والغنم. بَهيمة الأنعام …الأنعام …الدّواب … | وجهة نظر قرآنية. وقيل الأنعام كلها أي أجنة الأنعام التى توجد في بطون أمهاتها اذا نحرت أو ذبحت وكانت ميتة. وقال قوم"بهيمة الأنعام" وحشيتها كالضباء وبقر الوحشي والحمر والأنعام هي المذكور في قوله تعالى: { ثمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْن} [من الآية 143- الأنعام] وكذلك قوله تعالى: { وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ} [من الآية 144- الأنعام] ثم ألحق رسول الله صلى الله عليه وسلم الظباء وحمر الوحش ويزيد عليها كل الحيوانات المجترة ولم يحرم إلا كل ذي ناب مثل السباع أو كل ذي مخلب من الطير.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة: ( فِي أيَّامٍ مَعْلُوماتٍ) قال: أيام العشر, والمعدودات: أيام التشريق. وقوله: ( فَكُلُوا مِنْها) يقول: كلوا من بهائم الأنعام التي ذكرتم اسم الله عليها أيها الناس هنالك. وهذا الأمر من الله جلّ ثناؤه أمر إباحة لا أمر إيجاب، وذلك أنه لا خلاف بين جميع الحُجة أن ذابح هديه أو بدنته هنالك, إن لم يأكل من هديه أو بدنته, أنه لم يضيع له فرضا كان واحبا عليه, فكان معلوما بذلك أنه غير واجب. *ذكر الرواية عن بعض من قال ذلك من أهل العلم:- حدثنا سوار بن عبد الله, قال: ثنا يحيى بن سعيد, عن ابن جُرَيج, عن عطاء, قوله: ( فَكُلُوا مِنْها وأطْعِمُوا البائِسَ الفَقيرَ) قال: كان لا يرى الأكلّ منها واجبا. حدثنا يعقوب بن إبراهيم, قال: ثنا هشيم, قال: أخبرنا حصين, عن مجاهد, أنه قال: هي رخصة: إن شاء أكل, وإن شاء لم يأكل, وهي كقوله: وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ يعني قوله: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ. قال: ثنا هشيم, قال: أخبرنا مغيرة, عن إبراهيم, في قوله: ( فَكُلُوا مِنْها) قال: هي رخصة, فإن شاء أكل وإن شاء لم يأكل.