في هذا الكتاب أظهرت مؤلفته أن الناس الماديين لاحظوا وجود خمس رغبات اشترك في ذكرها معظم كبار السن وهذه الرغبات الخمس هي: أولاً: تمنوا لو كانت لديهم الشجاعة ليعيشوا لانفسهم ولا يعيشوا الحياة التي يتوقعها أو يريدها منهم الآخرون.. فقد عبر معظمهم عن ندمه على إرضاء الغير (كرؤسائهم في العمل) أو الظهور بمظهر يُرضي المجتمع أو من يعيشون حولهم. ثانياً: تمنوا لو أنهم خصصوا وقتاً أطول لعائلتهم وأصدقائهم بدلا من إضاعة العمر كله في روتين العمل المجهد. ثالثًاً: تمنوا لو كانت لديهم الشجاعة ليعبروا عن مشاعرهم بصراحة ووضوح، فالكثيرون كتموا مشاعرهم لأسباب مثل تجنب مصادمة الآخرين، أو التضحية لأجل أناس لايستحقون. رابعاً: تمنوا لو بقوا على اتصال مع أصدقائهم القدامى أو تجديد صداقتهم معهم.. فالأصدقاء القدامى يختلفون عن بقية الأصدقاء كوننا نشعر معهم بالسعادة ونسترجع معهم ذكريات الطفولة الجميلة. ولكننا للأسف نبتعد عنهم في مرحلة العمل وبناء العائلة حتى نفقدهم نهائياً أونسمع بوفاتهم فجأة. الدرر السنية. وأخيراً: تمنوا لو أنهم أدركوا مبكراً المعنى الحقيقي للسعادة، فمعظمنا لا يدرك إلا متأخراً أن السعادة كانت حالة ذهنية لا ترتبط بالمال أو المنصب أو الشهرة.. إن السعادة كانت اختياراً يمكن نيله بجهد أقل وتكلفة أبسط ولكننا نبقى متمسكين بالأفكار التقليدية حول تحقيقها.
عن عمرك فيما أفنيته اسائل نفسك لا تشغل بالكَ بي، فأنا أعلم ولا تقل لي كيف تعلم، فتِّش وستلقى، لا تنظر حولك بل أبصِر!
اهـ. فمن رُزق البركة في عمره أمدَّ الله له أجر حياته بعد موته، ويكون ذلك بسبب ما أنجزه في دنياه، وتركه ينفع العباد والبلاد مثل من يترك علماً ينتفع الناس به، ترى العالِم قد مات منذ زمن بعيد وتصل إليه الدعوات كلما ذُكر اسمه. عن عمره فيما افناه وعن شبابه فيما ابلاه. فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني ولأجل هذا، نذكر نماذج لقوم عرفوا قيمة العمر، وارتفعت قيمته بيقظتهم، نذكرها والبعض يتفنن في قتل وقته وضياع عمر، خاصةً أننا أصبحنا نسمعها صراحة: ماذا تفعل؟ الجواب: أضيّع وقتي. نذكر هذه النماذج؛ حتى نعلم أن العمر الحقيقي للإنسان ليس هو السنين التي يقضيها منذ ولادته إلى وفاته، إنما عمره بقدر ما يكتب في رصيده عند الله من عمل الصالحات وفعل الخيرات. النموذج الأول: محمد بن جرير الطبري قال الخطيب البغدادي: سمعت ابن عبيد الله بن عبد الغفار البغوي يحكي أن محمدًا بن جرير الطبري، المتوفى سنه 310هـ عن ثلاث وثمانين سنة، مكث أربعين سنة يكتب في كل يومٍ أربعين ورقة، أي كتب ما يساوي 585600 ورقة، فكيف تم له هذا إلا باستغلال وقته؟ النموذج الثاني: ابن الجوزي، وهذا سبط ابن الجوزي أبو المظفر، يقول عن جده: "وسمعته يقول على المنبر في آخر حياته: كتبت بأصبعي هاتين ألفي مجلدة، وتاب على يدي مئة ألف تائب، وأسلم على يدي عشرون ألفًا.
رَوى ابنُ حِبَّانَ والترمذيُّ في جامِعِه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: " لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ ". ( الأنبياءُ لا يُسألونَ هذهِ الأسئلةَ الأربعةَ، يُسألونَ لإظهارِ شَرَفِهم هل بلَّغتم). المعنى أنَّ الإنسانَ لا تزولُ قدمَاهُ عن موقفِ الحسابِ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عن أربعٍ. ،"وعن عمره فيما أفناه" - جريدة المساء. يُسألُ عن عُمُرِهِ فيما أفناهُ أي ماذا عملتَ منذُ بلغتَ، أدَّيتَ ما فرضَ اللهُ عليكَ واجتنبتَ ما حرَّمَ عليكَ فإنْ كانَ قد فَعَلَ ذلكَ نجا وسَلِمَ وإنْ لم يكنْ فعلَ ذلكَ هَلَكَ. ويُسألُ عن جسدِهِ فيما أبلاهُ فإنْ أبلاهُ في طاعةِ اللهِ سَعِدَ ونجا مع النَّاجينَ وإنْ أبلَى جَسَدَهُ في معصِيَةِ اللهِ خَسِرَ وهَلَكَ. ويُسأَلُ عَنْ عِلْمِهِ ماذَا عملَ فيهِ أي يُسألُ هل تعلّمتَ عِلْمَ الدِينِ الذي فَرضَهُ اللهُ عليكَ لأنَّ العِلْمَ الدِّينِيَّ قِسمانِ فمنْ تعلمَ القِسمَ الضَّروريَّ وعمِلَ بِهِ سَعِدَ ونَجا، ومنْ أهْملَ العملَ بعدَ أنْ تعلّمَ خَسِرَ وخابَ وهلكَ، وكذلكَ منْ لا يتعلّمُ فهوَ أيضًا من الهالكين.