وضع قوم أخرون أيديهم على صاحب خبيب زيد بن الدّثنّة وراحوا يصلونه هو الآخر عذابا.. ** أسلم خبيب قلبه، وأمره،ومصيره لله رب العالمين. وأقبل على نسكه ثابت النفس، رابط الجأش، معه من سكينة الله التي افاءها عليه ما يذيب الصخر، ويلاشي الهول. كان الله معه.. وكان هو مع الله.. كانت يد الله عليه، يكاد يجد برد أناملها في صدره..! دخلت عليه يوما احدى بنات الحارث الذي كان أسيرا في داره، فغادرت مكانه مسرعة الى الناس تناديهم لكييبصروا عجبا.. " و الله لقد رأيته يحمل قطفا كبيرا من عنب يأكل منه.. وانه لموثق في الحديد.. وما بمكة كلها ثمرة عنب واحدة.. ما أظنه الا رزقا رزقه الله خبيبا"..!! أجل آتاه الله عبده الصالح، كما آتى من قبل مريم بنت عمران، يوم كانت: ( كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا.. قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب).. ** وحمل المشركون الى خبيب نبأ مصرع زميله وأخيه زيد رضي الله عنه. ظانين أنهم بهذا يسحقون أعصابه، ويذيقونه ضعف الممات وما كانوا يعلمون أن الله الرحيم قد استضافه، وأنزل عليه سكينته ورحمته. حوض النبي - صلى الله عليه وسلم -. وراحوا يساومونه على ايمانه، ويلوحون له بالنجاة اذا ما هو كفر لمحمد، ومن قبل بربه الذي آمن به.. لكنهم كانوا كمن يحاول اقتناص الشمس برمية نبل..!!
وزمن الورود على الحوض قبل العبور إلى الصراط، لأن المقام يقتضي ذلك، حيث إن الناس في حاجة إلى الشرب في عرصات القيامة قبل العبور إلى الصراط، وقد رجح بعض أهل العلم ذلك، ومن شرب من الحوض لم يظمأ أبدًا، لما ورد في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو: "من شرب منه لم يظمأ أبدًا" [21]. أما أسباب الورود على الحوض، فمنها: أولًا: التمسك بالكتاب والسنة، والثبات على ذلك، والبعد عن البدع المحدثة في الدين وكبائر الذنوب، روى الحاكم في المستدرك: من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض" [22]. الهم اسقنا من حوض نبيك. وروى البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني فرطكم على الحوض، من مر بي شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدًا، وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم، فأقول: إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقًا سحقًا لمن غير بعدي" فكان ابن أبي مليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا، أو نفتن عن ديننا [23]. قال ابن عبد البر: كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض، كالخوارج، والروافض، وسائر أصحاب الأهواء، قال: وكذلك الظلمة المسرفون في الجور وطمس الحق، والمعلنون للكبائر.
وجرت هذه الوحشية كلها في بطء مقصود امام البطل المصلوب..!! لم يغمض عينيه، ولم تزايل السكينة العجيبة المضيئة وجهه. وبدأت الرماح تنوشه، والسيوف تنهش لحمه. وهنا اقترب منه أحد زعماء قريش وقال له: " أتحب أن محمدا مكانك، وأنت سليم معافى في أهلك".. ؟؟ وهنا لا غير انتفض خبيب كالاعصار وصاح، في قاتليه: " و الله ما أحبّ أني في اهلي وولدي، معي عافية الدنيا ونعيمها، ويصاب رسول الله بشوكة".. نفس الكلمات العظيمة التي قالها صاحبه زيد وهم يهمّون بقتله..! نفس الكلمات الباهرة الصادعة التي قالها زيد بالأمس.. ويقولها خبيب اليوم.. الدعاء بالشرب من يد الرسول صلى الله عليه وسلم عند الحوض - الإسلام سؤال وجواب. مما جعل أبا سفيان، وكان لم يسلم بعد، يضرب كفا بكف ويقول مشدوها:" و الله ما رأيت أحدا يحب أحدا كما يحب أصحاب محمد محمدا"..!! ** كانت كلمات خبيب هذه ايذانا للرماح وللسيوف بأن تبلغ من جسد البطل غايتها، فتناوشه في جنون ووحشية.. وقريبا من المشهد كانت تحوم طيور وصقور. كأنها تنتظر فراغ الجزارين وانصرافهم حتى تقترب هي فتنال من الجثمان وجبة شهيّة.. ولكنها سرعان ما تنادت وتجمّعت، وتدانت مناقيرها كأنها تتهامس وتتبادل الحديث والنجوى. وفجأة طارت تشق الفضاء، وتمضي بعيدا.. بعيدا.. لكأنها شمّت بحاستها وبغريزتها عبير رجل صالح أوّاب يفوح من الجثمان المصلوب، فخدلت أن تقترب منه أو تناله بسوء..!!
أجل، كان ايما خبيب كالشمس قوة، وبعدا، ونارا ونورا.. كان يضيء كل من التمس منه الضوء، ويدفئ كل من التمس منه الدفء، أم الذي يقترب منه ويتحدّاه فانه يحرقه ويسحقه.. واذا يئسوا مما يرجون، قادوا البطل الى مصيره، وخرجوا به الى مكان يسمى التنعيم حيث يكون هناك مصرعه.. وما ان بلغوه حتى استأذنهم خبيب في أن يصلي ركعتين، وأذنوا له ظانين أنه قد يجري مع نفسه حديثا ينتهي باستسلامه واعلان الكفران ب الله وبرسوله وبدينه.. وصلى خبيب ركعتين في خشوع وسلام واخبات... وتدفقت في روحه حلاوة الايمان، فودّ لو يظل يصلي، ويصلي ويصلي.. ولكنه التفت صوب قاتليه وقال لهم: " و الله لاتحسبوا أن بي جزعا من الموت، لازددت صلاة"..!! ثم شهر ذراعه نحو السماء وقال: " الله م احصهم عددا.. واقتلهم بددا".. ثم تصفح وجوههم في عزم وراح ينشد: ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الاله وان يشأ يبارك على أوصال شلو ممزّع ولعله لأول مرة في تاريخ العرب يصلبون رجلا ثم يقتلونه فوق الصليب.. ولقد أعدّوا من جذوع النخل صليبا كبيرا أثبتوافوقه خبيبا.. وشدّوا فوق أطرافه وثاقه.. واحتشد المشركون في شماتة ظاهرة.. ووقف الرماة يشحذون رماحهم.
قال: وكل هؤلاء يخاف عليهم أن يكونوا ممن عنوا بهذا الخبر، والله أعلم [24]. اهـ. ثانيًا: عدم إعانة الولاة الظلمة على ظلمهم، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث كعب بن عجرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "أعاذك الله من إمارة السفهاء، قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: أمراء يكونون بعدي لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا مني ولست منهم، ولا يردون على حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم وسيردوا على حوضي" [25]. ثالثًا: الصبر على ما يصيب المؤمن من نقص في الدنيا، واستئثار غيره بها، روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سترون بعد أثرة شديدة، حتى تلقوا الله وروسوله - صلى الله عليه وسلم - على الحوض" [26]. رابعًا: المحافظة على الوضوء، روى مسلم في صحيحه من حديث حذيفة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما ذكر الحوض قال: "والذي نفسي بيده إني لأذود عنه كما يذود الرجل الإبل الغريبة عن حوضه قالوا: يا رسول الله أوتعرفنا؟ قال: نعم، تردون علي الحوض غرًا محجلين من آثار الوضوء ليست لأحد غيركم" [27].
معلومات الموضوع الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر) ضوابط المشاركة لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة لا تستطيع الرد على المواضيع لا تستطيع إرفاق ملفات لا تستطيع تعديل مشاركاتك قوانين المنتدى
الرئيسية إسلاميات الذكر و الدعاء 01:01 ص الثلاثاء 06 نوفمبر 2018 دعاءٌ في جوْف اللّيل: "اللهم ارزقني حُبك وحُب من ي كتب ـ محمد قادوس: اللهم اجعل لنا في هذا اليوم دعوة لا ترد، واوهبنا رزقا لا يُعد، وافتح لنا بابًا في الجنة لا يُسد. اللهم احشرنا في زمرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم حبب خير خلقك فينا ومن حوض نبيك اسقنا، وفي جنتك آونا، وبرحمتك احتوينا، وأمنيتنا أعطنا، وبفضلك أغننا ولطاعتك اهدنا، ومن عذاب النار احمنا ومن كل شر حاسد اكفنا. اللهم فقهني في الدين اللهم احفظني بالإسلام قائماً، واحفظني بالإسلام قاعداً واحفظني بالإسلام راقداً ولا تشمت بي عدواً ولا حاسداً. اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك، وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك. اللهم حاسبني حساباً يسيراً اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة قوم فتوفني غير مفتون وأسألك حُبّك، وحب من يُحبِك، وحُب كل عمل يقربني إلى حُبك. اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة. اللهم متعني بسمعي وبصري واجعلهما الوارث منيِّ وانصرني على من يظلمُني، وخذ منه بثأري. اللهم أعني عليّ ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. محتوي مدفوع إعلان