وفي ذلك يقول: بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه وأيقن أنا لاحقان بقيصرا فقلت له: لا تبك عينك إنما نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا ولما وصل إلى قيصر أكرم وفادته وأمده بجيش كثيف، فيه جماعة من أبناء الملوك، واندس في قصر قيصر على أمرئ القيس بالوشايات، فاهدى قيصر أمرأ القيس حلة مسمومة منسوجة بالذهب، وكتب إليه «إني أرسلت إليك حلتي التي كنت ألبسها، تكرمة لك، فإذا وصلت إليك فألبسها باليمن والبركة، وأكتب إلى بخبرك من منزل إلى منزل». فلما وصلت الحلة إلى امرئ القيس لبسها واشتد سروره بها، فسرى في جسده السم الزعاف وتساقط جلده من أثر السلم، ولذلك سمي «ذا القروح» وقال امرؤ القيس في ذلك: لقد طمح الطماح من بعد أرضه ليلبسني مما يلبس أبؤسا فلو أنها نفس تموت جميعه ولكنها نفس تساقط أنفسا ويقول ابن الكلبي: فلما وصل إلى بلدة من بلاد الروم تدعى «أنقرة» احتضر بها ورأى قبراً دفنت فيه امرأة من أبناء الملوك فقال: أجارتنا أن الخطوب تنوب وإني أقيم ما أقام عسيب أجارتنا أنا غريبان هاهنا وكل غريب للغريب نسيب وزعم بعض المؤرخين أن اسم «عسيب» الذي ورد في البيت الأول جبل بالقرب من أنقرة، في حين ذهب آخرون إلى أنه الجبل المعروف بهذا الاسم في نجد.
عمرو بن قميئة عمرو بن قميئة الثعلبي البكري الوائلي النزاري (179 ق. هـ-85 ق. هـ/448-540 م)هو شاعر جاهلي كبير معمر، مجيد مقل، مختار الشعر على قلته. نشأ يتيما وأقام في الحيرة مدة. يقال أن امرأ القيس نزل ببكر بن وائل وقال: هل فيكم من يقول الشعر؟ قالوا: شيخ كبير قد خلا من عمره وأتوه بعمرو بن قميئة فلما أنشده شعره أعجب به فاستصحبه وكان معه إلى الروم. يعتقد أن عمرا بن قميئة هلك في سفر امرىء القيس إلى الروم فأصبح يقال له "الضائع". وهو المراد بقول امرئ القيس: «بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه… إلخ». – هو عمرو بن قميئة بن ذريح بن سعد بن مالك أحد بني ضبيعة بن قيس بن ثعلبة من بني بكر بن وائل، ثم هو ابن أخي المرقّش الاكبر، وعم المرقش الاصغر، وعم والد طرفة بن العبد. يَتُم عمرو من أبيه صغيرا فكفله عمّه مرثد بن سعد. وكان عمرو جميلا مديد القامة وافر الشعر فأحبته امرأة عمه. فلما أبى عليها ما تريد أرادت أن تنتقم منه فزعمت لزوجها أن عمرا ابتغاها. وخاف عمرو سطوة عمه فهرب إلى الحيرة، ولجأ إلى المنذر بن ماء السماء (514-554 م)، ثم جعل ينظم الشعر في مدح عمه والتبرّي مما نسبته امرأة عمه اليه. ورضي عمه عنه فعاد هو إلى قومه.
وقد برع امرؤ القيس في تصوير الحيوانات براعة فائقة. واخذ يترسم جميع حركاتها وسكناتها وثورتها وهدوئها، ويقظتها ورقادها. وتتبع الطير في انطلاقاته بين الافنان وركونه الى الاعشاش او تهويمه وتحليقه في الفضاء. واجاد كذلك تصوير مظاهر الطبيعة بجداولها وغدرانها واشجارها وافنانها، وليلها ونهارها، وشمسها وقمرها، وبرقها ورعدها وصحوها ومطرها.. حتى اصبح لا يشق له غبار في هذا المضمار. اما غزل امرئ القيس فيدل على انه كان كثير التنقل بين النساء، متقلب الاهواء. وقد ذكر اسم اكثر من واحدة في شعره، فذكر اسم فاطمة، وليلى وسعاد، وماوية، وهند، والرباب، وعنيزة، والخنساء، وهر، وغيرهن. ويغلب على الظن ان هذه الاسماء مستعارة وان حاول بعض الشراح ان يرجعوا بعضها الى شخصيات معروفة.. فقال الزوزني عن عنيزة انها بنت عمه شرحبيل وقيل هو لقب لها واسمها فاطمة، وقال الطوسي عن هر انها ابنة عمه العامري، وسواء اكانت هذه الاسماء لشخصيات معينة او غير معينة فإن شعر امرئ القيس فيها يدل على انه شاعر يتلمس الجمال اينما كان، وحينما رحل، لا تقيده فتاة معينة بأغلال حبها، واصفاد هيامها.. بل هو يتنقل بين النساء كالنحلة من زهرة الى زهرة. ولجأ امرؤ القيس في شعره الغزلي الى كثير من الصراحة دون تردد او احجام، كما استعان بالأسلوب القصصي في غزله.