استنبطت أمنا رضي الله عنها عِبرةً من هذا الموقف وهي: أن تحمد الله على نعمةٍ من نعمه وهو أنه جل جلاله يسمع ويرى، ويُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ويسمع الشكوى جل جلاله، فقالت: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأصْوَاتَ". قصة المجادِلة الظِهار عادةٌ من عادات الجاهلية الْمُجَادِلَةُ: هي خولة بنت ثعلبة، وقد جاءت تشكو زوجها أوس بن الصامت الذي ظاهر منها، والظِهار عادةٌ من عادات أهل الجاهلية يقول فيها الزوج لزوجته: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أو كَظَهْرِ أختي فلا يقربها بعد ذلك، فجاءت تشكو إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما فعل زوجها وتقولُ: (يا رسولَ اللَّهِ، أَكَلَ شَبابي، ونثرتُ لَهُ بَطني، حتَّى إذا كبُرَتْ سِنِّي، وانقطعَ ولَدي، ظاهرَ منِّي، اللَّهمَّ إنِّي أشكو إليكَ). وفي روايةٍ: تقول خَوْلَةَ: يا رسول الله لي منه أولاد - فهي تجادل من أجل أولادها، تشكو من أجل أولادها تخاف على مستقبل أولادها - إن ضممتهم إليَّ جاعوا - فهو الذي ينفق عليهم - وإن تركتهم إليه ضاعوا - فأنا التي أربيهم - كانت تجادل وتشكو، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يجد لها مخرجاً في كتاب الله، إذ لم يتنزل حكمٌ في الظِهارِ بعد، فسمع الله قولها وأنزل في شأنها قرآناً يتلى إلى يوم القيامة.
وكانت هذه العادة من عادات الجاهلية التي حرمها الإسلام، لكن بقيت رواسبها عند البعض. ثم إن أوسًا بعد ما كان منه ما كان، أراد أن يقرب زوجته فامتنعت منه، ورفضت أن تستجيب له، حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبره بما كان، لكن أوسًا تحرج منعه الحياء أن يذكر لرسول الله ما جرى منه؛ فذهبت خولة بنفسها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبرته بالذي حدث، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما أراك إلا قد حرمت عليه)!! فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن زوجها لم يرد بقوله ذلك طلاقًا ولا فراقًا، فأجابها رسول الله ثانية: ( ما أراك إلا قد حرمت عليه)، فلما سمعت جواب رسول الله التجأت إلى الله قائلة: اللهم إليك أشكو حالي وفقري.
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعها... أما تعرفها؟ هذه خولة التي سمع الله قولها من فوق سبع سموات وعمر أحق والله أن يسمع لها.. » وفي رواية أخرى: قيل له: يا أمير المؤمنين اتقف لهذه العجوز هذا الموقف.
فهذه خولة بنت حكيم امرأة أوس بْن الصامت التي سمع اللَّه قولها من فوق سبع سماوات، فعمر والله أحق أن يسمع لَهَا. أراد الله عز وجل أن يُخلِّد ذكر هذه المرأة التي جادلت وشكت زوجها إلى الله في قرآنٍ يتلى إلى يوم القيامة ليعلمنا أهمية هذا الرباط الزوجي وأهمية المرأة في الإسلام عندما تشكو وتدافع عن حقوقها. إلى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ومن ذلك محاورة المجادلة ووقوعها عند النبي صلى الله عليه وسلم وتكرير اسم الجلالة في موضع إضماره ثلاث مرات لتربية المهابة وإثارة تعظيم منته تعالى ودواعي شكره.
وهو ممن شهد بدراً وأحداً، وأغلب الغزوات مع رسول الله.