وقرأ أهل المدينة والكسائي ( لباس) بالنصب عطفا على لباسا الأول. وقيل: انتصب بفعل مضمر; أي وأنزلنا لباس التقوى. والباقون بالرفع على الابتداء. و ذلك نعته و خير خبر الابتداء. والمعنى: ولباس التقوى المشار إليه ، الذي علمتموه ، خير لكم من لباس الثياب التي تواري سوآتكم ، ومن الرياش الذي أنزلنا إليكم; فالبسوه. وقيل: ارتفع بإضمار: " هو " أي وهو لباس التقوى; أي هو ستر العورة. وعليه يخرج قول ابن زيد. يا بني ادم قد انزلنا عليكم لباسا يواري. وقيل: المعنى ولباس التقوى هو خير; ف ذلك بمعنى هو. والإعراب الأول أحسن ما قيل فيه. وقرأ الأعمش ( ولباس التقوى خير) ولم يقرأ ذلك وهو خلاف المصحف. ذلك من آيات الله أي مما يدل على أن له خالقا. و ذلك رفع على الصفة ، أو على البدل ، أو عطف بيان.
اعلم أنّك حين موتك وانفصالك عن جسمك ترى نفسك عرياناً فتستحي مِمّا أنت فيه فتلتفت يميناً وشمالاً تبحث عن ثوبٍ تلبسه وتستر به عورتك فلا تجد غير الثياب المادية التي كنت تلبسها في الدنيا ، فإذا جئت لتأخذها وتلبسها فلا تقدر على حملها من مكانِها لأنّك أصبحتَ مخلوقاً روحانياً أثيرياً فتتركها وتفتّش عن غيرها حتّى تيأس مِنها و تبقى عرياناً. أمّا إذا كنت من الصالحين ومن الموحّدين فإنّ الملَكين رقيب عتيد اللذَين كانا بصحبتِك في دار الدنيا يأتيانك بثوب جديد أثيري فتلبسه و تستر به عورتك ، وإلى ذلك أشار الله تعالى في كتابه المجيد بقوله { يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ}. أو أنّك أعطيت في حياتك الدنيا رداءً للفقير في سبيل الله ، فإنّ الملائكة تأتيك به فتلبسه وتستر به عورتك ، قال تعالى في سورة آل عمران { لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} ، و قال تعالى في سورة الأنفال { وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ}
وقرأ غيره وريشاً بغير ألف وقال القتبي: الريش والرياش ما ظهر من اللباس، وريش الطائر ما ستره الله به. ويقال: الرياش: المال والمعاش. قال الفقيه: حدثنا محمد بن الفضل. قال: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف عن أبي أمامة عن عوف بن أبي جميلة عن معبد الجهني في قوله: قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً قال: هو ما تلبسون ورياشاً قال المعاش وَلِباسُ التَّقْوى هو الحياء ذلِكَ خَيْرٌ أي لباس التقوى وهو الحياء خير من الثياب، لأن الفاجر إنْ كان حسن الثياب فإنه بادي العورة ألا ترى إلى قول الشاعر حيث يقول: إني كأني أرى من لا حياء له... القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة الأعراف - الآية 26. ولا أمانة وسط القوم عريانا وقال القتبي: لِباسُ التَّقْوى أي ما ظهر عليه من السكينة والوقار والعمل الصالح كما قال: لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ [النحل: 112] أي ما ظهر عليهم من سوء آثارهم وتغيُّر حالهم. ويقال: لِباسُ التَّقْوى الإيمان. ويقال: العفة. قرأ نافع والكسائي وابن عامر لِباسُ التَّقْوى بالنصب يعني: أنزل لباس التقوى ومعناه: ستر العورة. وقرأ الباقون بالضم لِبَاسُ على معنى الابتداء. ويقال: فيه مضموم يعني: هو لِباسُ التَّقْوى ومعناه: ستر العورة أي لباسُ المتقين. وقرأ عبد الله بن مسعود وَلِباسُ التَّقْوى خير.
وكان عمر رضي الله عنه يضرب الإماء على تغطيتهن رءوسهن ويقول: لا تشبهن بالحرائر. وقال أصبغ: إن انكشف فخذها أعادت الصلاة في الوقت. وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: كل شيء من الأمة عورة حتى ظفرها. وهذا خارج [ ص: 165] عن أقوال الفقهاء; لإجماعهم على أن المرأة الحرة لها أن تصلي المكتوبة ويداها ووجهها مكشوف ذلك كله ، تباشر الأرض به. فالأمة أولى ، وأم الولد أغلظ حالا من الأمة. والصبي الصغير لا حرمة لعورته. فإذا بلغت الجارية إلى حد تأخذها العين وتشتهى سترت عورتها. وحجة أبي بكر بن عبد الرحمن قوله تعالى: يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن. وحديث أم سلمة أنها سئلت: ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب ؟ فقالت: تصلي في الدرع والخمار السابغ الذي يغيب ظهور قدميها. وقد روي مرفوعا. والذين أوقفوه على أم سلمة أكثر وأحفظ; منهم مالك وابن إسحاق وغيرهما. قال أبو داود: ورفعه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن محمد بن زيد عن أمه عن أم سلمة أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو عمر: عبد الرحمن هذا ضعيف عندهم; إلا أنه قد خرج البخاري بعض حديثه. والإجماع في هذا الباب أقوى من الخبر.