ولمع صيته كالبرق الساطع وانتشرت مؤلفاته من المحيط إلى الخليج يتلقاها الشباب والشابات وكأنها الوصفة الطبية السحرية لاقتلاع اليأس من القلوب وبث الأمل في النفوس لصنع جيل النهوض القادر على تجاوز الهزائم ومحو عار الأمة فوفق غاية التوفيق.
الأمر الثاني: استخدامه لرموز بسيطة يعرفها القارىء جيدا، لذلك ينسجم معها ويستوعبها، وربما يضيف اليها من عنده، كما يستلذ في عملية تعريتها، لابتعادها عن التركيبية. ولعل الأمر الثالث يكمن في براعته في التصوير الحسي، والنطاق الخيالي الواسع الذي يخطف القارئ إلى عوالم ساحرة كان يعجز عن دخولها لافتقاره إلى سحر الكلمة وإلى الإثارة الشعرية، يقول سعيد عقل "تشرب قصيدة نزار قباني كالماء الزلال". وأمر آخر اللغة البسيطة المفهومة ولكنها مختارة لتأدية المعنى المرغوب، منتقاة للإيحاء بالأثر المنشود، وهذا ما جعل حسين بن حمزة يلقبّه بـِ"أحد آباء القصيدة اليومية": إذ قرّب الشعر من عامة الناس، فكان شاعرا في نثره، وصحافياً في شعره، بمعنى أنه مؤلف بارع يواكب الأحداث، خطابياً في قصيدته، فقد كانت لغة الشعر قبل نزار متعالية، بيروقراطية، بروتوكولية، لا تصافح الناس إلا بالقفازات البيضاء فجعلها تتخلى عن إرستقراطيتها. تحميل كتب نزار قباني pdf. حتى قال عنه جبرا ابراهيم جبرا: "هذا الشعر الذي يستجيب له حتى الذين لا يفقهون الشعر، فتراه في كل بيت وعلى كل لسان، لا يمكن أن يكون مجرد لعبة لفظية يتلهى بها هؤلاء الناس". وفي واقع الأمر إن نزار قباني كان شاعرا ملتزما بالموسيقى لم يتمرد على موسيقى الشعر، وكان يفرق بين القصيدة الموزونة والنص النثري، وفي أغلب مواطن شعره ظلت قصائده ملتزمة بمظهرها وجوهرها.
مقدمة كان الشعر وما زال واحداً من أسس حياتنا الفكرية، وكان للعرب إسهام عظيم في هذا المجال، فقد أنجبت الأمة العربية أعداداً ضخمة من الشعراء الذين كانوا يحظون بتقدير بالغ في مجتمعاتهم لأن الشاعر هو إذاعة لقبيلته كما كان سابقاً لذلك كانت القبائل تبتهج كثيراً عندما ينبغ فيها شاعر لأنه سيفها الصقيل الذي يدافع عن مفاخر قبيلته وشرفها، ويتعرض لأعدائها بالهجوم اللاذع والبيان الناصع والشعر البارع فالكلمة المقاتلة تسير جنباً إلى جنب مع سيوف المحاربين والمجاهدين ولذلك عظمت منزلة الشعراء ولقوا من الإكرام والكرامة ما يلقاه القائد الفذ الذي يحرز الانتصارات الباهرة في المعارك والحروب الحاسمة.