سورة البينة مكتوبة بصوت الشيخ على الحذيفي - YouTube
فينبغي التفريق بين خلوف فم الصائم وبين رائحة الفم الناتجة عن بقايا الطعام، فهذه إزالتها ليس له أثر ولا تأثير في إذهاب خلوف فم الصائم، وأما الخلوف فهو شيء لا إرادة للإنسان فيه.
وقد حرص السلف رحمة الله عليهم على سلامة نياتهم عند إقبالهم على الطاعات خاصّةً إذا تعاملوا مع القرآن، فكانوا يجتهدون في أن لا يشوب ذلك أيَّة شائبةٍ من سمعة أو رياء، فمن جملة ذلك ما روي عن أيوب السختياني أنَّه كان إذا تكلم أو قرأ فَرَقَّ قلبه وترقرق دمعه فَرِقَ من الرياء؛ فمسح وجهه وقال: ما أشدَّ الزُّكام! استعمال معجون الأسنان في نهار رمضان. وكان إبراهيم النخعيُّ إذا قرأ في المصحف فدخل عليه داخلٌ غطَّاه، ولسان حاله يقول مع القائل: أَفْدي ظِباءَ فَلاةٍ ما عَرَفنَ بِها... مَضغَ الكَلامِ وَلا صَبغ الحواجيبِ يريد ما عرفن التصنُّع ولا خطر لهنَّ، بل الجمال سجيتهنَّ، وهكذا سرائر أهل الإخلاص. وقال الحسن البصري: "كان الرجل تأتيه عبرته فيسترَها، فإذا خشي أن تسبقه قام من المجلس". وإنَّما أعان هؤلاء على تحقيق معنى الإخلاص في تعاملهم مع القرآن: يقينُهم بأنّهم عند قراءتهم وتلاوتهم له إنّما يُناجي الواحدُ منهم ربَّه ويُكلِّمُه.
ثلاثة واجبات للمسلم مع القرآن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وبعد: فإن المسلم يدرك أنَّ القرآن هو كلامُ ربِّه المنزل، وتعظيمه له من تعظيمه للمتكلم به تعالى، وأن عليه واجبات إزاء ذلك الكلام أثناء تلاوته، وأثناء تعامله معه، ولعل من أهمها ما يأتي.
التنبيه هو أنه ينبغي كما نهتم بهذه الأسئلة عن الدقائق والأمور الصغيرة، أن نسأل عن عظائم الأمور وأن تكون منا على اهتمام حتى على وجه التنبيه للناس، فقد يسأل الإنسان وهو عالم، لكن مثل ما جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان، انظر المسائل الكبار، كلها في قمة المسائل أهمية وتأثير، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن مضى: «أتدرون من السائل؟ قالوا: الله ورسوله أعلم؟ قال: هذا جبريل» هذا الرسول الملكي، «أتاكم يعلمكم أمر دينكم»، فجعل السؤالَ وسيلة من وسائل التعلم. أسأل الله أن يرزقني وإياكم الفقه في الدين، والبصيرة بما ينفعنا، وأن يُعيذنا من نزغات الشياطين.
وينبني على تعظيم القرآن الكريم كثير من الآداب والصفات الظاهرة والباطنة، فمن ذلك: أولاً: أنّ تعظيم القرآن الكريم، يعني تعظيم ما فيه من أمر ونهيٍ، فيُنـزّهانِ من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين. ثانياً: ومن تعظيم كتاب الله تعالى أن يكون القارئ له على طهارة كاملةٍ، حسِّيَّةٍ ومعنويَّة، بأن يكون طاهر الفمِ والبدن والثّياب، ويكون المكان الّذي تتمُّ فيه القراءة والتلاوة كذلك طاهراً ونظيفاً، وأن يكون القارئ جالساً مستقبلَ القبلة، في خشوعٍ ووقار. ثالثاً: من تعظيم كتاب الله عزَّ وجلِّ تعظيمُ حملته، وقد روي أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لنافع بن عبد الحارث لما لقيه بعُسْفان، وكان والياً لعمر على مكة: من استعملتَ على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزى. قال: ومن ابنُ أبزى؟ قال: مولى من موالينا! سورة البينة مكتوبة بصوت الشيخ على الحذيفي - YouTube. قال: فاستخلفتَ عليهم مولى؟! قال: إنه قارئ لكتاب الله -عز وجل- وإنه عالم بالفرائض! قال عمر: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال: "إن الله يرفعُ بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخَرين"(1) ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ من إجلال الله: إكرامَ ذي الشيبة المسلم، وحاملِ القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط"(2).
تفسير سورة الناس وهي مدنية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ( 1) مَلِكِ النَّاسِ ( 2) إِلَهِ النَّاسِ ( 3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ( 4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ( 5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ( 6). وهذه السورة مشتملة على الاستعاذة برب الناس ومالكهم وإلههم، من الشيطان الذي هو أصل الشرور كلها ومادتها، الذي من فتنته وشره، أنه يوسوس في صدور الناس، فيحسن [ لهم] الشر، ويريهم إياه في صورة حسنة، وينشط إرادتهم لفعله، ويقبح لهم الخير ويثبطهم عنه، ويريهم إياه في صورة غير صورته، وهو دائمًا بهذه الحال يوسوس ويخنس أي: يتأخر إذا ذكر العبد ربه واستعان على دفعه. فينبغي له أن [ يستعين و] يستعيذ ويعتصم بربوبية الله للناس كلهم. وأن الخلق كلهم، داخلون تحت الربوبية والملك، فكل دابة هو آخذ بناصيتها. وبألوهيته التي خلقهم لأجلها، فلا تتم لهم إلا بدفع شر عدوهم، الذي يريد أن يقتطعهم عنها ويحول بينهم وبينها، ويريد أن يجعلهم من حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، والوسواس كما يكون من الجن يكون من الإنس، ولهذا قال: ( مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ). تفسير سورة الجن الآية 28 تفسير السعدي - القران للجميع. والحمد لله رب العالمين أولا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا.
تفسير سورة قل أوحي إلي [ وهي] مكية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ( 1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ( 2). تفسير السعدي - سورة الجن الآية 1 | القرآن نور. أي: ( قُلْ) يا أيها الرسول للناس ( أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) صرفهم الله [ إلى رسوله] لسماع آياته لتقوم عليهم الحجة [ وتتم عليهم النعمة] ويكونوا نذرا لقومهم. وأمر الله رسوله أن يقص نبأهم على الناس، وذلك أنهم لما حضروه، قالوا: أنصتوا، فلما أنصتوا فهموا معانيه، ووصلت حقائقه إلى قلوبهم، ( فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا) أي: من العجائب الغالية، والمطالب العالية. ( يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) والرشد: اسم جامع لكل ما يرشد الناس إلى مصالح دينهم ودنياهم، ( فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) فجمعوا بين الإيمان الذي يدخل فيه جميع أعمال الخير، وبين التقوى، [ المتضمنة لترك الشر] وجعلوا السبب الداعي لهم إلى الإيمان وتوابعه، ما علموه من إرشادات القرآن، وما اشتمل عليه من المصالح والفوائد واجتناب المضار، فإن ذلك آية عظيمة، وحجة قاطعة، لمن استنار به، واهتدى بهديه، وهذا الإيمان النافع، المثمر لكل خير، المبني على هداية القرآن، بخلاف إيمان العوائد، والمربى والإلف ونحو ذلك، فإنه إيمان تقليد تحت خطر الشبهات والعوارض الكثيرة.
ومنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول إلى الجن، كما هو رسول إلى الإنس ، فإن الله صرف نفر الجن ليستمعوا ما يوحى إليه ويبلغوا قومهم. ومنها: ذكاء الجن ومعرفتهم بالحق، وأن الذي ساقهم إلى الإيمان هو ما تحققوه من هداية القرآن، وحسن أدبهم في خطابهم. ومنها: اعتناء الله برسوله، وحفظه لما جاء به، فحين ابتدأت بشائر نبوته، والسماء محروسة بالنجوم، والشياطين قد هربت عن أماكنها، وأزعجت عن مراصدها، وأن الله رحم به الأرض وأهلها رحمة ما يقدر لها قدر، وأراد بهم ربهم رشدا، فأراد أن يظهر من دينه وشرعه ومعرفته في الأرض، ما تبتهج به القلوب، وتفرح به أولو الألباب، وتظهر به شعائر الإسلام، وينقمع به أهل الأوثان والأصنام. ومنها: شدة حرص الجن لاستماع الرسول صلى الله عليه وسلم، وتراكمهم عليه. تفسير سورة الجن كاملة. ومنها: أن هذه السورة قد اشتملت على الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك، وبينت حالة الخلق، وأن كل أحد منهم لا يستحق من العبادة مثقال ذرة، لأن الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم، إذا كان لا يملك لأحد نفعا ولا ضرا، بل ولا يملك لنفسه، علم أن الخلق كلهم كذلك، فمن الخطأ والغلط اتخاذ من هذا وصفه إلها [ آخر] مع الله. ومنها: أن علوم الغيوب قد انفرد الله بعلمها، فلا يعلمها أحد من الخلق، إلا من ارتضاه الله وخصه بعلم شيء منها.
وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا أي: تعالت عظمته وتقدست أسماؤه، مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا فعلموا من جد الله وعظمته، ما دلهم على بطلان من يزعم أن له صاحبة أو ولدا، لأن له العظمة والكمال في كل صفة كمال، واتخاذ الصاحبة والولد ينافي ذلك، لأنه يضاد كمال الغنى. وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا أي: قولا جائرا عن الصواب، متعديا للحد، وما حمله على ذلك إلا سفهه وضعف عقله، وإلا فلو كان رزينا مطمئنا لعرف كيف يقول. وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ( 5). أي: كنا مغترين قبل ذلك، وغرنا القادة والرؤساء من الجن والإنس، فأحسنا بهم الظن، وظنناهم لا يتجرءون على الكذب على الله، فلذلك كنا قبل هذا على طريقهم، فاليوم إذ بان لنا الحق، رجعنا إليه ، وانقدنا له، ولم نبال بقول أحد من الناس يعارض الهدى. وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ( 6). أي: كان الإنس يعبدون الجن ويستعيذون بهم عند المخاوف والأفزاع ، فزاد الإنس الجن رهقا أي: طغيانا وتكبرا لما رأوا الإنس يعبدونهم، ويستعيذون بهم، ويحتمل أن الضمير في زادوهم يرجع إلى الجن ضمير الواو أي: زاد الجن الإنس ذعرا وتخويفا لما رأوهم يستعيذون بهم ليلجئوهم إلى الاستعاذة بهم، فكان الإنسي إذا نزل بواد مخوف، قال: « أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه ».
[٧] ولا يمكن لأحد أن يُجيره من الله -تعالى- وليس له ملجأ ونصير سوى ربّه -سبحانه-، وأنّه عبد اختصَّه الله -تعالى- بالرِّسالة، ومن يكفر بالله فسيكون خالدًا في نار جهنّم، وحين يقع بهؤلاء الكفّار العذاب فسيوقنون أنّه ليس لأحد حول ولا قوّة من دون الله -عزّ وجلّ-.
[٦] وإنّ منهم مسلمين ومنهم قاسطين جائرين عن طريق الهدى، فالمسلمون هم المتّبعون للحقِّ والرشد، والقاسطون هم الذين جانبوا الصواب وابتعدوا عن الحقِّ، وسيكون جزاؤهم في الآخرة أن يُجعلوا حطبًا ووقودًا لنار جهنّم، [٦] ويقول الله -تعالى- لو أنّ هؤلاء آمنوا واتّبعوا الحق والطريقة المثلى لشربوا ماء هنيئًا وافرًا؛ كناية عن كثرة إنعامه عليهم، ليختبرهم بهذه النعم، فمن كان كافرًا جاحدًا فسيكون مآله إلى العذاب الشديد. [٧] الحديث عن مكانة المساجد والأمر بتوحيد الله قال -تعالى-: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا): [٨] تأمر هذه الآية بوجوب تنزيه المساجد عن دعوة غير الله -تعالى- ؛ فهي أعظم أماكن العبادة وأطهرها، فيجب أن تكون معمورة بالإخلاص والخشوع والخضوع لله وحده.