وبعدُ، ففي العفو رحمةٌ بالمسيء، وتقديرٌ لجانب ضَعفه البشري، وامتثال لأمر الله تعالى، وطلبٌ لرحمته وغفرانه ورضاه، وفيه توثيق للروابط الاجتماعية، وتقويةٌ لها، وكسبٌ لقلوب الناس، وزرعٌ للقيم والفضائل بين أفراد المجتمع المسلم. [1] انظر: لسان العرب، والصحاح، مادة: عفا. العفو عن الناس أعظم العبادات. [2] مقاييس اللغة؛ لابن فارس (4/ 56). [3] مفردات ألفاظ القرآن (1/ 583)، والتوقيف على مهمات التعاريف، ص (457). [4] أخرجه أحمد في مسنده (6/ 171)، برقم (25423)، والترمذي في الدعوات، برقم (3513)، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه في الدعاء، برقم (3850)، والحاكم في المستدرك (1/712)، برقم (1942)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرجاه. [5] أخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص243)، برقم (698)، وأبو داود في الأدب، برقم (4412) عن ابن عمر رضي الله عنه، والنسائي في الاستعاذة، برقم (5434)، وابن ماجه في الدعاء، برقم (3861)، قال الحاكم: صحيح الإسناد (1/ 698)، برقم (1902). [6] أخرجه أحمد في مسنده (1/ 419)، برقم (3977)، قال الأرنؤوط: حسن بشواهده، وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 424)، برقم (8155)، وقال: صحيح الإسناد ولم يُخرجاه، وسكت عنه الذهبي في التلخيص.
والعفو من صفات الأنبياء السابقين، قال تعالى عن يوسف عليه السلام وهو يخاطب إخوته: ﴿ قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين ﴾ [يوسف: 92]. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما مِن حَدِيثِ ابنِ مَسعُودٍ رضي اللهُ عنه قَالَ: " كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " [14]. والعفو من صفات الصالحين من عباد الله. ففي عهد الخليفة المعتصم سجن الإمام أحمد بن حنبل وضرب بالسياط حتى أُغمي عليه، وسال الدم من جسده، وكان يقول: قد جعلت أبا إسحاق - يعني المعتصم - في حل، وعفا عنه، وسجن الإمام مالك، وضرب بالسياط حتى انخلعت يده من كتفه، فعفا عمن ضربه. والمواقف في العفو كثيرة عند التتبع. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فَلَا أُحِبُّ أَنْ يُنْتَصَرَ مِنْ أَحَدٍ بِسَبَبِ كَذِبِهِ عَلَيَّ، أَوْ ظُلْمِهِ، وَعُدْوَانِهِ، فَإِنِّي قَدْ أَحْلَلْتُ كُلَّ مُسْلِمٍ، وَأَنَا أُحِبُّ الْخَيْرَ لِكُلِّ الْمُسْلِمِينَ، وَأُرِيدُ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنَ الْخَيْرِ مَا أُحِبُّهُ لِنَفْسِي.
وَالَّذِينَ كَذَبُوا وَظَلَمُوا فَهُمْ فِي حِلٍّ مِنْ جِهَتِي [15]. ومما ينبغي التنبيه عليه أن العفو مشروط بالإصلاح، قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 40]. قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: " يجزيه أجرًا عظيمًا، وثوابًا كبيرًا، وشرط الله في العفو الإصلاح فيه، ليدل ذلك على أنه إذا كان الجاني لا يليق العفو عنه، وكانت المصلحة الشرعية تقتضي عقوبته فإنه في هذه الحال لا يكون مأمورًا به، وفي جعل أجر العافي على الله ما يهيج على العفو، وأن يعامل العبد الخلق بما يحب أن يعامله الله به، كما يحب أن يعفو الله عنه فليعف عنهم، وكما يحب أن يسامحه الله، فليسامحهم، فإن الجزاء من جنس العمل " [16]. اهـ ومن وصل إلى هذه الحالة فليحمد الله على هذه النعمة الكبرى، وعلى راحة الضمير، وعلى كثرة ما يجني من الخير. ويشرع للمسلم أن يكثر من سؤال الله العفو، روى الترمذي في سننه مِن حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي اللهُ عنها قَالَتْ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ، تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي " [17].
تاريخ النشر: الإثنين 5 ذو القعدة 1434 هـ - 9-9-2013 م التقييم: رقم الفتوى: 218830 197051 0 286 السؤال ما حكم استنشاق الدواء عن طريق الأنف، والدواء عبارة على 3 أنابيب صغيرة تحتوي كل منها على مضاد حيوي، للالتهابات، ومضاد للحساسية، ويوضع الدواء ـ وهو سائل ـ في جهاز، وعند تشغيل الجهاز يتم ضخ بخار، وبالتالي يتم استنشاقه من قبَلي عن طريق الأنف؟. الإجابــة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: فلعل السائل يريد أن يسأل عن حكم استنشاق الدواء عن طريق الأنف للصائم في النهار وعليه، فنقول: إن الذي عليه جمهور الفقهاء أن ما وصل للحلق عن طريق الأنف يعد من المفطرات سواء كان طعاما أم دواء. قال ابن قدامة في المغني: الفصل الثالث: أنه يفطر بكل ما أدخله إلى جوفه أو مجوف في جسده كدماغه وحلقه ونحو ذلك مما ينفذ إلى معدته إذا وصل باختياره وكان مما يمكن التحرز منه سواء وصل من الفم على العادة أو غير العادة كالوجور واللدود أو من الأنف كالسعوط أو ما يدخل من الأذن إلى الدماغ أو ما يدخل من العين إلى الحلق كالكحل. هل البخاخ يفطر الصائم. انتهى. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: أما القطرة في الأنف: فلا تجوز، لأن الأنف منفذ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما ـ وعلى من فعل ذلك القضاء لهذا الحديث وما جاء في معناه إن وجد طعمها في حلقه.
والله ولي التوفيق. انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: قطرة الأنف إذا وصلت إلى المعدة، فإنها تفطر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث لقيط بن صبرة: بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً ـ فلا يجوز للصائم أن يقطر في أنفه ما يصل إلى معدته، وأما ما لا يصل إلى ذلك من قطرة الأنف، فإنها لا تفطر. الصوم والبخّاخ والمغذّي - الاستفتاءات - موقع مكتب سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله). انتهى. ولمزيد من الفائدة والتفصيل راجع الفتاوى التالية أرقامها: 164955 ، 220159 ، 25751. والله أعلم.
ما هو بخاخ الأنف؟ إن بخاخ الأنف المعروف باللغة الإنجليزية باسم (Nasal Spray) هو أحد أشكال الجرعات الدوائية التي تعمل على إيصال الدواء المطلوب إلى تجويف الأنف، وهو ذات تأثير موضعي؛ بهدف علاج بعض الأعراض التي تظهر في الأنف؛ نتيجة لبعض الأمراض، مثل: الرشح، أو حساسية الأنف.