القول الثاني: أنها ركن فلا بد من اشتمالها على الموعظة، وتحين في ذلك لفظ الوصية بتقوى الله -تعالى-، وبهذا قال الشافعية في وجه عندهم(4) لكن قال عنه النووي: "وهذا ضعيف أو باطل"(5)، وهو المذهب عند الحنابلة، وعليه أكثرهم، وقطع به كثير منهم(6). القول الثالث: أنها سنة، وبهذا قال الحنفية(7) والمالكية (8). الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: أولا: استدلوا على الركنية بأدلة من السنة، والمعقول: فمن السنة: ما جاء في حديث جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: "كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- خطبتان، يجلس بينهما، يقرأ القرآن، ويذكِّر الناس"(9) (10). أركان خطبة الجمعة (2- 5) - ملتقى الخطباء. فالشاهد من الحديث قوله: "ويذكِّر الناس". قال النووي: "فيه دليل للشافعي في أنه يشترط في الخطبة الوعظ والقرآن"(11). مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن هذا مجرد فعل، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، بل على الاستحباب، وأن لفظ: (كان... ) لا يدل على المداومة، وإن دل عليها فإنها لا تدل على الوجوب كما تقدم(12). ومن المعقول: أن المقصود من خطبة الجمعة الموعظة، فلا يجوز الإخلال بها(13). ثانيا: واستدلوا على عدم تعين لفظ الوصية بتقوى الله -تعالى- بما يلي: أن الغرض هو الوعظ والحمل على طاعة الله -تعالى- فيكفي ما دل على الموعظة طويلا كان أو قصيرا، كأطيعوا الله وراقبوه، ولا يتعين لفظ التقوى(14).
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، والحمد لله رب العالمين.
(15) ذكر هذا الوجه صاحب الجوهر النقي بهامش سنن الكبرى للبيهقي 3/208. (16) ينظر: بدائع الصنائع 1/263، والفتاوى الهندية 1/146، ومراقي الفلاح ص (103). (17) ينظر: الإشراف 1/132، والفواكه الدواني 1/306. (18) ينظر: الإنصاف 2/387، والمبدع 2/158. (19) المغني 3/174. (20) ص (109). (21) ينظر: الحاوي 3/57 - 58، والوجيز 1/63، وحلية العلماء 2/277، والمجموع 4/519، وروضة الطالبين 2/24 - 25، ومغني المحتاج 1/285. (22) ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1/52، وشرح الزركشي 2/175، والمغني 3/173 - 174، والفروع 2/109، والمحرر 1/146، والإنصاف 2/387. (23) الاختيارات ص (79 - 80)، ونقله عنه تلميذه ابن مفلح في الفروع 2/109، والمرداوي في الإنصاف 2/387، ونقل -أي المرداوي- عن المجد أنه اختار الصلاة على النبي أو يشهد أنه عبد الله ورسوله، فالواجب عنده ذكر الشهادة للرسول بالرسالة لا لفظ الصلاة. (24) ينظر: مغني المحتاج 1/285، والمغني 3/174، والمبدع 2/158. (25) ينظر: المبدع 2/158. (26) سورة الشرح، الآية رقم (4). (27) هكذا ذكره الزركشي في شرحه 2/175 مستدلا به، وذكره ابن قدامة في المغني 3/174 بمعناه، وقد عزاه الزركشي للخلال في كتاب العلم وكتاب السنة، ولم أعثر عليه فيما بين يدي من كتب السنة، وقد أخرج البيهقي في سننه الكبرى في كتاب الجمعة، باب ما يستدل به على وجوب ذكر النبي في الخطبة 3/209 عن مجاهد في قوله: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) قال: لا أذكر إلا ذكرت أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله".