وردت في القرآن الكريم أربع آيات تتحدث عن أحكام الصيام، جاءت ثلاث الآيات الأُوَل متتابعة، وجاءت الآية الرابعة منفردة بعد قوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} (البقرة:186). ونظراً لتعلق هذه الآيات بأحكام الصيام، فسوف نفرد الحديث لكل آية على حدة، بادئين بالآية الأولى من آيات الصيام، وهي قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} (البقرة:183). والحديث حول هذه الآية ينتظم في أربع مسائل: الأولى: معنى {كتب عليكم} أي: فَرْضٌ على الأمة لا محيد عن الأخذ به، فضمير {عليكم} لمجموع الأمة. كتب عليكم الصيام - آية. و(الصيام) ويقال: (الصوم) مصدر، وقد ورد المصدران في القرآن، {كتب عليكم الصيام}، {إني نذرت للرحمن صوما} (مريم:26). والصيام لغة: يطلق حقيقة على ترك كل طعام وشراب، وأُلحق به في الإسلام تَرْكُ قربان كل النساء، فلو ترك أحد بعض أصناف المأكول، أو بعض النساء لم يكن صياماً. وللصيام إطلاقات أخرى مجازية، كإطلاقه على إمساك الخيل عن الجري في قول النابغة: خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما وأطلق على ترك شرب حمار الوحش الماء.
ولا يسمى صياماً إذا امتنع عن بعض الأطعمة أو الأشربة أو عن النساء فقط كما كان موجوداً عند العرب. يقول قائلهم: وَإِن شِئتِ حَرَّمتُ النِساءَ سِواكُمُ وَإِن شِئتِ لَم أَطعَم نُقاخاً وَلا بَرد 5 أو كما يفعله من يسمون بالنباتيين أو أصحاب الحمية، أو كما هو الحال عند بعض أهل الكتاب. كتب عليكم الصيام كما كتب english. قوله تعالى: { عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} يصح أن يشمل ظاهر الآية كل من سبقنا من آدم إلى عيسى-عليهما السلام- وليس اليهود والنصارى فقط، وأن كل من سبقنا كانوا يصومون، لكن لا يلزم أن يكون صومهم هو نفس صومنا الشرعي بمعنى الإمساك عن مخصوص في وقت مخصوص، ولا أن يكون فرض عليهم شهر رمضان، وإنما المقصود فرض عليهم أصل الصيام لا صفته. قوله عز وجل: { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، التقوى تبدأ بالإيمان والإسلام فمن آمن وأسلم فقد اتقى الكفر واتقى عذاب الله، فإذا صام فقد حقق ركناً من أركان الإسلام، وحقق قدراً من التقوى ولو كان في صومه بعض التخريق والخلل كما في الصحيح: ( الصِّيَامُ جُنَّةٌ). 6 وفي بعض ألفاظه: ( مَا لَمْ يَخْرِقْهَا). 7 من فوائد الآية: الأولى: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ} أي: فرض عليكم الصيام، وهذه الآية أصل في وجوب صيام رمضان.
وفي الحديث الصحيح، قوله صلى الله عليه وسلم: ( الصوم جُنَّة) رواه أصحاب السنن إلا أبا داود، أي: وقاية، قال ابن عاشور: "لما تَرَك ذكر متعلق (جُنَّة) تعين حمله على ما يصلح له من أصناف الوقاية المرغوبة، ففي الصوم وقاية من الوقوع في المآثم، ووقاية من الوقوع في عذاب الآخرة، ووقاية من العلل والأدواء الناشئة عن الإفراط في تناول اللذات".