وقوله: ( وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ) يقول تعالى ذكره: وأما عاد قوم هود فأهلكهم الله بريح صرصر، وهي الشديدة العصوف، مع شدة بردها، ( عَاتِيَةٍ) يقول: عتت على خزانها في الهبوب، فتجاوزت في الشدّة والعصوف مقدارها المعروف في الهبوب والبرد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ما تفسير ارم ذات العماد - أجيب. * ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ) يقول: بريح مهلكة باردة، عتت عليهم بغير رحمة ولا بركة، دائمة لا تَفْتُر. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ)، والصرصر: الباردة عتت عليهم حتى نقبت عن أفئدتهم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن المسيب، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس، قال: " ما أرسل الله من ريح قطّ إلا بمكيال ولا أنزل قطرة قطّ إلا بمثقال، إلا يوم نوح ويوم عاد، فإن الماء يوم نوح طغى على خزانه، فلم يكن لهم عليه سبيل، ثم قرأ: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ ، وإن الريح عتت على خزّانها فلم يكن لهم عليها سبيل، ثم قرأ: ( بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ).
قال -تعالى-: (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً) ، [١١] فتُرفع الأرض والجبال من مكانهما، كأنهما قطعة واحدة، فتزلزلا، وتُفتّتا، وتتكسّرا، ثم تبسطا مرة واحدة. قال -تعالى-: (فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ* وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ) ، [١٢] أي حانت الساعة، وقامت القيامة، فتتصدع السماء، وتنفطر، وتزول، وتصبح كالقطن أو الصوف؛ لضعفها وهول يوم القيامة، وقيل لنزول الملائكة منها. قال -تعالى-: (وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) ، [١٣] بعد زوال السماء وتشققها، تنزل الملائكة إلى أطراف الأرض وحافاتها ينتظرون ما سيحدث للناس، ليفعلوا ما أُمروا به في حق كلٍ منهم، واختلف في تفسير ثمانية؛ ثمانية صفوف، أم ثمانية أصناف، أم ثمانية ملائكة وهي أرجح الأقوال؛ لكثرة الأخبار الواردة في ذلك، وهذه الملائكة تحمل العرش يوم القيامة. ترجمة سورة الحاقة الآية 6 ترجمة إنجليزية (Sahih International) - القران للجميع. قال -تعالى-: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) ، [١٤] أما العرض فيكون على الله -سبحانه- لتقرير الأعمال والمجازاة والحساب، فلا يبقى ما يخفيه الإنسان، ولا يبقى حال دون أن يظهر لصاحبه.
{إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ} وهم عادٌ {بِالأحْقَافِ} أي: في منازلِهم المعروفةِ بالأحقافِ وهيَ: الرِّمالُ الكثيرةُ في أرضِ اليمنِ. {وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} فلم يكنْ بدعًا منهم ولا مخالِفًا لهم، قائلًا لهم: {أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} فأمرَهم بعبادةِ اللهِ الجامعةِ لكلِّ قولٍ سديدٍ وعملٍ حميدٍ، ونهاهم عن الشِّركِ والتَّنديدِ وخوَّفَهم -إنْ لم يطيعوهُ- العذابَ الشَّديدَ فلم تُفِدْ فيهم تلكَ الدَّعوةُ. {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا} أي: ليسَ لكَ مِن القصدِ ولا معَكَ مِن الحقِّ إلَّا أنَّكَ حسدْتَنا على آلهتِنا فأردْتَ أنْ تصرفَنا عنها. {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} وهذا غايةُ الجهلِ والعنادِ. {قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ} فهوَ الَّذي بيدِهِ أَزِمَّةُ الأمورِ ومقاليدُها - الشيخ: لا حول ولا قوَّةَ إلَّا بالله - القارئ: وهوَ الَّذي يأتيكم بالعذابِ إنْ شاءَ. - الشيخ: {إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [هود:33] - القارئ: {وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ} أي: ليسَ عليَّ إلَّا البلاغُ المبينُ، {وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} فلذلكَ صدرَ منكم ما صدرَ مِن هذهِ الجراءةِ الشَّديدةِ، فأرسلَ اللهُ عليهم العذابَ العظيمَ وهوَ الرِّيحُ الَّتي دمَّرَتْهم وأهلكَتْهم.
القول في تأويل قوله تعالى: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (16) يقول تعالى ذكره: فأرسلنا على عاد ريحا صرصرا. واختلف أهل التأويل في معنى الصرصر, فقال بعضهم: عني بذلك أنها ريح شديدة. * ذكر من قال ذلك. حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( رِيحًا صَرْصَرًا) قال: شديدة. حدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( رِيحًا صَرْصَرًا) شديدة السَّموم عليهم. وقال آخرون: بل عنى بها أنها باردة. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا) قال: الصرصر: الباردة. حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: ( رِيحًا صَرْصَرًا) قال: باردة. حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ ( رِيحًا صَرْصَرًا) قال: باردة ذات الصوت. حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد, قال: سمعت.