بل قال شيخ الإسلام - رحمه الله - كما في الرد على البكري (2/ 736): "روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يوم بدر يقول: ((يا حي يا قيوم، لا إله إلا أنت، برحمتك أستغيث))،وفي لفظ: ((أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، ولا إلى أحد من خلقك))". فدلت هذه الكلمات العظيمات على جملة من الأمور، ولعل من أعظمها: 1- أنه يُستغاثُ بصفات الرب كما يستغاث بذاته، وكذلك يستعاذ بصفاته كما يستعاذ بذاته. اللَّهمَّ رحمتَكَ أرجو فلا تكِلْني إلى نفسي طرفةَ عينٍ، وأصلِحْ لي شأني كلَّه لا إلهَ إلَّا أنتَ. 🎧🥀 - YouTube. 2- أن أكمل الخَلْق أكملُهم عبودية، وأعظمهم شهودًا لفقره وضرورته وحاجته إلى ربه، وعدم استغنائه عنه طرفة عين. 3- عدم جواز الثقة بالنفس؛ ولذلك قال ابن أبي مليكة - رحمه الله -: "أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلهم يخاف النفاقَ على نفسه". 4- أهمية سؤال الله - عز وجل - باسمه الحيِّ القيُّوم، وهما الاسم الأعظم؛ كما قال غير واحد من أهل العلم [5]. ووالله إن تحت هذا الدعاء وأضرابه كنوزًا نعجِز عن حصرها، وفوائد يعسُرُ علينا عدها، والموفق والسعيد من وفقه العلي الحميد لتأملها واستخراجها واقتنائها، ومن حرم من ذلك فهو المحروم، فمن ذلك الذي يستطيع أن يستغني عن الله وعونه طرفة عين، والعبيد كلهم لا يخرجون من هذا؟!
وقال المناوي في فيض القدير (3/ 526): "ختمه بهذه الكلمات الحضورية الشهودية إشارة إلى أن الدعاء إنما ينفع المكروب ويزيل كربه إذا كان مع حضور وشهود، ومَن شهد لله بالتوحيد والجلال، مع جمع الهمة وحضور البال، فهو حريٌّ بزوال الكرب في الدنيا، والرحمة ورفع الدرجات في العقبى"،هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن فيها - أعني: هؤلاء الكلمات والدعوات - بيانًا لأحد أهم الآداب التي يجب أن تراعى في أبواب التوحيد - أيضًا، وهي أن الرضا بما يقدره الله لك أولى وأنفع، ولو كانت رغبتك في خلافه؛ لأنه قد لا يكون النافع لك، أو الأنفع.
انتهى والحمد لله رب العالمين Hits: 323