وأخرج الواحدي عن ابن عباس قال: إن مشركي مكة صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية على أن من أتاه من أهل مكة رده إليهم، ومن أتى من أهل مكة من أصحابه فهو لهم، وكتبوا بذلك كتاباً وختموه، فجاءت سبيعة بنت الحارث الأسلمية بعد الفراغ من الكتاب، والنبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية، فأقبل زوجها وكان كافراً، فقال: يا محمد رد علي امرأتي، فإنك قد شرطت علينا أن ترد علينا من أتاك منا، وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد، فأنزل الله هذه الآية. فوفاة أبي طالب، ونزول تحريم بقاء المؤمنات في عصم الكفار بينهما تسع سنين. والله أعلم.
وقت وفاة عبد المطلب إن عبد المطلب بن هاشم هلك عن سن عالية مختلف في حقيقتها، قال أبو الربيع بن سالم: أدناها فيما انتهى إلي ووقفت عليه خمس وتسعون سنة. ذكره الزبير، وأعلاها فيما ذكره الزبير أيضًا عن نوفل بن عمارة، قال: كان عبيد بن الأبرص ترِب عبد المطلب، وبلغ عبيد مائة وعشرين سنة، وبقي عبد المطلب بعده عشرين سنة، وكانت وفاته سنة تسع من عام الفيل. حضرة أبو طالب عليه السلام - موقع مركز سيد الشهداء ع. سنه الشريف وقت وفاة جده وللنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ ثمان سنين، وقيل: بل توفي عبد المطلب وهو ابن ثلاث سنين، وحكاه أبو عمر. كفالة عمه أبي طالب وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مهلك جده عبد المطلب مع عمه أبي طالب ، وكان عبد المطلب يوصيه به فيما يزعمون، وذلك أن عبد الله أبا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا طالب أخوان لأب وأم، فكان أبو طالب هو الذي يلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد جده فكان إليه ومعه.
وفاته (عليه السلام) لم يُمهل القدر سيّد قريش ورئيس مكّة الذي ساد بشرفه لا بماله، فتُوفّي في 7 شهر رمضان 10 للبعثة النبوية الشريفة، وكان عمره آنذاك 86 سنة، وقيل: 90 سنة، وقيل: تُوفّي في 26 رجب 10 للبعثة النبوية الشريفة. وحينما علم النبيّ(صلى الله عليه وآله) بوفاته، قال لابن عمّه: «امضِ يا علي فتولّ غسله وتكفينه وتحنيطه، فإذا رفعته على سريره فأعلمني». ففعل ذلك، فلمّا رفعه على السرير اعترضه النبيّ(صلى الله عليه وآله) وقال: «وصلتك رحم، وجزيت خيراً يا عمّ، فلقد ربّيتَ وكفلتَ صغيراً، وآزرت ونصرت كبيراً». ثمّ أقبل على الناس وقال: «أنا والله لأشفعنّ لعمّي شفاعةً يعجب لها أهل الثقلين»(14). ــــــــــــــــــــــــــ ــ 1. شرح نهج البلاغة 14/64. 2. الفصول المختارة: 58. 3. شرح نهج البلاغة 14/71. 4. الكافي 1/448. 5. الصحيح من سيرة النبيّ 3/255، ينقله عن تاريخ الخميس 1/301. 6. كمال الدين وتمام النعمة: 174. 7. الكافي 1/446. 8و9 و10. بحار الأنوار 35/111. 11. أعيان الشيعة 8/117. 12. أبو طالب مات كافراً - إسلام ويب - مركز الفتوى. تاريخ مدينة دمشق 66/327. 13. الصحيح من سيرة النبيّ 3/230. 14. إيمان أبي طالب: 25.
وواضح أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) لا يرضى إلّا عن المؤمنين. 2ـ روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) قوله: «إنّ مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف, أسرّوا الإيمان وأظهروا الشرك، فآتاهم الله أجرهم مرّتين»(4). 3ـ روي عن الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال: «كان والله أبو طالب بن عبد المطّلب بن عبد مناف مؤمناً مسلماً، يكتم إيمانه مخافةً على بني هاشم أن تنابذها قريش»(5). 4ـ روي عن الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال: «والله ما عبد أبي ولا جدّي عبد المطّلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنماً قطّ»، قيل له: فما كانوا يعبدون؟ قال: «كانوا يصلّون إلى البيت على دين إبراهيم متمسّكين به»(6). 5ـ روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) قوله: «نزل جبرئيل(عليه السلام) على النبيّ(صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمّد، إنّ ربّك يقرؤك السلام ويقول: إنّي قد حرّمت النار على صلبٍ أنزلك، وبطنٍ حملك، وحجرٍ كفلك؛ فالصلب صلب أبيك عبد الله بن عبد المطّلب، والبطن الذي حملك آمنة بنت وهب، وأمّا حجر كفلك فحجر أبي طالب»(7). 6ـ عن محمّد بن يونس، عن أبيه، عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنّه قال: «"يا يونس ما تقول الناس في أبي طالب"؟ قلت: جُعلت فداك يقولون: هو في ضحضاحٍ من نار، وفي رجليه نعلان من نار تغلي منهما أُمّ رأسه!
السؤال: وردت أحاديث في البخاري ومسلم أن أبا طالب أخف الناس عذاباً يوم القيامة ، وأحاديث أخرى عن أن أهل النبي في النار من لم يؤمن منهم، وأحاديث أخرى أن أباه في النار، فأرجو أن توضحوا لي هل هذا يدل على خلودهم في النار أبداً? الإجابة: أبو طالب هو أخف أهل النار عذاباً يوم القيامة ، بسبب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم له في ذلك، وإنما يخفف الله عن ما هو فيه من العذاب بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لما رواه مسلم في ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أهون أهل النار عذاباً أبو طالب، وهو ينتعل بنعلين يغلي منهما دماغه "، ولما رواه مسلم وغيره عن العباس بن عبد المطلب أنه قال: يا رسول الله، هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك? قال: " نعم، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار "، وفي رواية عن العباد قلت: يا رسول الله، إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك، فهل نفعه ذلك? قال: '' نعم، وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح ''، وروى مسلم أيضاً عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذُكر عنده عمه أبو طالب، فقال: " لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه ".
والمسألة فيها تفصيل وبحوث وإن كانت لا تهم كثيرًا؛ لأن المصيبتين حدثتا في وقت قريب جدًّا من بعضها البعض، وكانت آثارهما مشتركة. والموت مصيبة كما سماه الله U في كتابه حيث قال: { فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} [المائدة: 106]. ولكن إن كان الموت بصفة عامة مصيبة فموت السيدة خديجة وأبي طالب كان مصيبة كبيرة جدًّا، وخاصة لقربهما من بعضهما البعض، مما جعل رسول الله r -وهو الذي اشتهر بالتفاؤل والتخفيف عن أصحابه- يطلق على هذا العام الذي مات فيه أبو طالب والسيدة خديجة وهو العام العاشر من النبوة، يطلق عليه عام الحزن. وفاة أبي طالب مَن كان أكثر من يدافع عن رسول الله r ويساعد المسلمين؟ إنه أبو طالب؛ لذا يجب أن يختفي أبو طالب من مسرح الأحداث كي لا يظن أحد أن الدعوة قائمة عليه، وليعلم الجميع أن الدعوة مستمرة؛ لأنها دعوة الله U. أما موت أبي طالب فكان مأساويًّا إلى أبعد درجة، لا لأنه مات فقط، ولا لأنه كان ناصرًا للدعوة حاميًا لرسول الله r ، دافعًا لكيد أهل قريش من الكافرين، جامعًا لبني هاشم وبني المطلب حول رسول الله r ، مؤيدًا لرسول الله r باللسان والسنان، مات كافرًا، مات على غير الحق الذي طالما دافع عنه.