وفي الآية ونظائرها وجه آخر، وهو أن الخطاب، وإن كان ظاهره إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن المراد به غيره. قال الإمام النووي رحمه الله في بيان وجوه الخطاب في القرآن الكريم: " وربما كان الخطاب له مواجهة، والمراد غيره، كقوله تعالى: ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين) ؛ ولا يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم قد شك قط في شيء مما أنزل إليه " انتهى، "شرح مسلم" (1/204-205). وأصله من كلام الخطابي في "معالم السنن "(2/7-8). [111] قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ..} إلى قوله تعالى: {فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} - الموقع الرسمي للشيخ أ. د. خالد السبت. وقد أشار الإمام محمد بن جرير الطبري، رحمه الله، إلى هذين الوجهين في تأويل الآية ونظائرها، قال: " فإن قال: فما وجه مخرج هذا الكلام إذن إن كان الأمر على ما وصفت؟ قيل: قد بينا في غير موضع من كتابنا هذا استجازة العرب قول القائل منهم لمملوكه: إن كنت مملوكي، فانته إلى أمري؛ والعبد المأمور بذلك، لا يشك سيده القائل له ذلك أنه عبده. كذلك قول الرجل منهم لابنه: إن كنت ابني، فبَرَّني؛ وهو لا يشك في ابنه أنه ابنه. وأن ذلك من كلامهم صحيح مستفيض فيهم، وذكرنا ذلك بشواهد، وأن منه قول الله تعالى: وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله [المائدة: 116] ؛ وقد علم جل ثناؤه أن عيسى لم يقل ذلك.
وقوله: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ يعني: بعد هذا البيان السابق، فيدل على أنه بعد اتضاح العلم لا مجال للمُجادلة، فما كل أحد يُجادل، والله أخبر عن أهل الكتاب أنهم ما اختلفوا حتى جاءهم العلم، وبيّن سبب الاختلاف، وهو البغي بَغْيًا بَيْنَهُمْ [آل عمران:19] فلم يكن ذلك بسبب خفاء الحق، وإنما بسبب الأهواء والبغي والحسد والشر والعداوات.
(30) 7170 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " فلا تكن من الممترين " ، قال: والممترون الشاكون. * * * " والمرية " " والشك " " والريب " ، واحد سواءٌ، كهيئة ما تقول: " أعطني" " وناولني" " وهلم " ، فهذا مختلف في الكلام وهو واحد. تفسير: (الحق من ربك فلا تكن من الممترين). --------------- الهوامش: (29) انظر تفسير "الامتراء" ، وتفسير نظيرة هذه الآية فيما سلف 3: 190 ، 191. (30) الأثر: 7169- سيرة ابن هشام 2: 231 ، 232 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها رقم: 7165 ، فانظر التعليق على هذا الأثر. وفي سيرة ابن هشام "فلا تمترين فيه" ، وهي أجود.
قال الله تبارك و تعالى في سورة البقرة الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ و تفسير قوله تعالى في هذه الآية أنه خطاب من الله لنبيه محمد عليه السلام أن اعلم يا محمد أن ما جاءك من ربك هو الحق فلا تتشكك في ذلك اليقين و ألا تركن لقول اليهود و النصارى. كما و ينسحب هذا الخطاب على المسلمين من بعد الرسول