ولكن الحياة الواقعية للبشر تثبت أن هناك حالات تتهدم وتتحطم على الرغم من جميع الضمانات والتوجيهات. وهي حالات لا بد أن تواجه مواجهة عملية، اعترافا بمنطق الواقع الذي لا يجدي إنكاره حين تتعذر الحياة الزوجية، ويصبح الإمساك بالزوجية عبثا لا يقوم على أساس! والإسلام لا يسرع إلى رباط الزوجية المقدسة فيفصمه لأول وهلة، ولأول بادرة من خلاف. إنه يشد على هذا الرباط بقوة، فلا يدعه يفلت إلا بعد المحاولة واليأس. إنه يهتف بالرجال: وعاشروهن بالمعروف، فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا.. فيميل بهم إلى التريث والمصابرة حتى في حالة الكراهية، ويفتح لهم تلك النافذة المجهولة: فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا فما يدريهم أن في هؤلاء النسوة المكروهات خيرا، وأن الله يدخر لهم هذا الخير. فلا يجوز أن يفلتوه. إن لم يكن ينبغي لهم أن يستمسكوا به ويعزوه! وليس أبلغ من هذا في استحياء الانعطاف الوجداني واستثارته، وترويض الكره وإطفاء شرته. إسلام ويب - تفسير القرطبي - سورة الطلاق - قوله تعالى واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر - الجزء رقم15. فإذا تجاوز الأمر مسألة الحب والكره إلى النشوز والنفور، فليس الطلاق أول خاطر يهدي إليه الإسلام. بل لا بد من محاولة يقوم بها الآخرون، وتوفيق يحاوله الخيرون: وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله، وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما.
إنه الهلاك والبوار.. ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه.. ظلم نفسه لتعريضها هكذا لبأس الله القائم على حدوده يحرسها ويرعاها. وظلم نفسه بظلم زوجه. وهي وهو من نفس واحدة، فما يظلمها يظلمه كذلك بهذا الاعتبار.. ثم.. لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا. وهي لمسة موحية مؤثرة. فمن ذا الذي يعلم غيب الله وقدره المخبوء وراء أمره بالعدة، وأمره ببقاء المطلقات في بيوتهن.. إنه يلوح هناك أمل، ويوصوص هناك رجاء. فوائد من سورة الطلاق (من الآية 1 إلى الآية 5). وقد يكون الخير كله. وقد تتغير الأحوال وتتبدل إلى هناءة ورضى. فقدر الله دائم الحركة، دائم التغيير، ودائم الأحداث. والتسليم لأمر الله أولى، والرعاية له أوفق، وتقواه ومراقبته فيها الخير يلوح هناك! والنفس البشرية قد تستغرقها اللحظة الحاضرة، وما فيها من أوضاع وملابسات، وقد تغلق عليها منافذ المستقبل، فتعيش في سجن اللحظة الحاضرة، وتشعر أنها سرمد، وأنها باقية، وأن ما فيها من أوضاع وأحوال سيرافقها ويطاردها.. وهذا سجن نفسي مغلق مفسد للأعصاب في كثير من الأحيان. وليست هذه هي الحقيقة. فقدر الله دائما يعمل، ودائما يغير، ودائما يبدل، ودائما ينشئ ما لا يجول في حسبان البشر من الأحوال والأوضاع. فرج بعد ضيق. وعسر بعد يسر.
قوله تعالى: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا [ ص: 152] قوله تعالى: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر فيه سبع مسائل: الأولى: قوله تعالى: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم لما بين أمر الطلاق والرجعة في التي تحيض ، وكانوا قد عرفوا عدة ذوات الأقراء ، عرفهم في هذه السورة عدة التي لا ترى الدم. الطلاق ثلاثاً بكلمة واحدة هل يقع ام لا - موسوعة. وقال أبو عثمان عمر بن سالم: لما نزلت عدة النساء في سورة " البقرة " في المطلقة والمتوفى عنها زوجها قال أبي بن كعب: يا رسول الله ، إن ناسا يقولون قد بقي من النساء من لم يذكر فيهن شيء: الصغار وذوات الحمل ، فنزلت: واللائي يئسن.. الآية. وقال مقاتل: لما ذكر قوله تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء قال خلاد بن النعمان: يا رسول الله ، فما عدة التي لم تحض ، وعدة التي انقطع حيضها ، وعدة الحبلى ؟ فنزلت: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم يعني قعدن عن المحيض. وقيل: إن معاذ بن جبل سأل عن عدة الكبيرة التي يئست; فنزلت الآية.
وبسط بعد قبض. والله كل يوم هو في شأن، يبديه للخلق بعد أن كان عنهم في حجاب.
لما ذكر تعالى أن الطلاق المأمور به يكون لعدة النساء، ذكر تعالى العدة، فقال: { وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْْ} بأن كن يحضن، ثم ارتفع حيضهن، لكبر أو غيره، ولم يرج رجوعه، فإن عدتها ثلاثة أشهر، جعل لكل شهر، مقابلة حيضة. { وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} أي: الصغار، اللائي لم يأتهن الحيض بعد، و البالغات اللاتي لم يأتهن حيض بالكلية، فإنهن كالآيسات، عدتهن ثلاثة أشهر، وأما اللائي يحضن، فذكر الله عدتهن في قوله: { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [وقوله:] { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ} أي: عدتهن { أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} أي: جميع ما في بطونهن، من واحد، ومتعدد، ولا عبرة حينئذ، بالأشهر ولا غيرها، { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} أي: من اتقى الله تعالى، يسر له الأمور، وسهل عليه كل عسير.
وهو قول الليث. قال الليث: عدة المطلقة وعدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت مستحاضة سنة. وهو مشهور قول علمائنا; سواء علمت دم حيضها من دم استحاضتها ، وميزت ذلك أو لم تميزه ، عدتها في ذلك كله عند مالك في تحصيل مذهبه سنة; منها تسعة أشهر استبراء وثلاثة عدة. وقال الشافعي في أحد أقواله: عدتها ثلاثة أشهر. وهو قول جماعة من التابعين والمتأخرين من القرويين. ابن العربي: وهو الصحيح عندي. وقال أبو عمر: المستحاضة إذا كان دمها ينفصل فعلمت إقبال حيضتها أو إدبارها اعتدت ثلاثة قروء. وهذا أصح في النظر ، وأثبت في القياس والأثر. سوره الطلاق من واحد الى ثلاثه قروش. قوله تعالى: واللائي لم يحضن يعني الصغيرة فعدتهن ثلاثة أشهر; فأضمر الخبر. وإنما كانت عدتها بالأشهر لعدم الأقراء فيها عادة ، والأحكام إنما أجراها الله تعالى على العادات; فهي تعتد بالأشهر. فإذا رأت الدم في زمن احتماله عند النساء انتقلت إلى الدم لوجود الأصل ، وإذا وجد الأصل لم يبق للبدل حكم; كما أن المسنة إذا اعتدت بالدم ثم ارتفع عادت إلى الأشهر. وهذا إجماع. قوله تعالى: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: وأولات الأحمال أجلهن وضع الحمل ، وإن كان ظاهرا في المطلقة لأنه عليها عطف وإليها رجع عقب الكلام; فإنه في المتوفى عنها زوجها كذلك; لعموم الآية وحديث سبيعة.
فوائد من سورة الطلاق (من الآية 1 إلى الآية 5)