ثَانِيًا: مشكلة أثرة الأغنياء، وسوء التَّوزيع، قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [يس: 47]، وقد أُثِرَ عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قوله: "ما جاع فقير إلا بما شبع غني" [15] ، وعن السلف الصالح "ما من سرف إلا وبجواره حق مضيع" [16]. وخلاصة القول: فإنَّ هناك اختلافًا جوهريًّا بين طبيعة المشكلة الاقتصاديَّة من منظور الاقتصاد الإسلاميِّ، والاقتصاد الوضعيِّ في توصيف المشكلة الاقتصاديَّة، بينما هناك اتِّفاق حول وجود المشكلة الاقتصاديَّة على المستوى الكونيِّ [17]. فأهمُّ نقاط الاختلاف بين طبيعة المشكلة الاقتصاديَّة من منظور الاقتصاد الإسلاميِّ، والاقتصاد الوضعيِّ هو سبب هذه المشكلة، فبينما يرى الاقتصاد الرَّأسماليُّ أنَّ السَّبب هو بخل الطَّبيعة، وندرة الموارد، يرى الاقتصاد الإسلاميُّ أنَّ السَّبب هو الإنسان، وذلك بابتعاده عن الكفاءة في استخدام الموارد، والعدالة في توزيعها. عناصر المشكله الاقتصاديه موقع معرفه. [1] المشكلة الاقتصاديَّة بين التَّوصيف والحل، من منظور اقتصاديٍّ إسلاميٍّ، إعداد الدُّكتور هايل عبد المولى طشطوش، بحث مقدَّم لمنتدى الاقتصاد الإسلاميِّ بدبي، 2015، ص6.
فالتزام القيود والضوابط الإسلامية والأخلاقية في السوق، هو الذي يُحقق التخصيص الأمثل للموارد وتوفير الضروريات للناس، بأسعار تُناسب الجميع دون الضرر بالمُنتج أو المستهلك. التناقض بين الإنتاج والتوزيع من منظور إسلامي: ادّعى الاقتصاديون التقليديون بأنَّ أشكال الإنتاج هي التي تحكُم آلية توزيع الثروة، لكنَّ مبدأ توزيع الثروة في الاقتصاد الإسلامي لم يعتمد على أي شكل من أشكال الإنتاج، فهو قائم على قواعد وأُسس ثابتة مهما اختلفت أشكال الإنتاج وتغيّر الزمن، فإنَّ العلاقة بين الناس تقوم على التراحم والتعاون بناءً على قيم وأخلاق ربّانية، بعيداً عن الصراع والتناقض، ولا تأثير للعامل الاقتصادي في تكوين نظام توزيع الثروة بين الناس، والملكية الخاصة مضبوطة بأخلاق وقيم تُراعي المصلحة العامة وأولويات المجتمع. التخطيط المركزي من منظور إسلامي: يقوم مبدأ التخطيط المركزي التابع للأنظمة الاقتصادية التقليدية، على انتزاع الملكية الخاصّة وتولّي أولياء الأمور في الدولة للأمور الاقتصادية، وإنقاذ الناس وحمايتهم وتوفير احتياجاتهم. والتخطيط المركزي مبدأ مرفوض في النظام الاقتصادي الإسلامي، وللفرد الحرّية الاقتصادية في اختيار مشروعاته الاستثمارية، وتحديد رغباته وما يُلبّي حاجاته وأذواقه، ولا يُلزَم الفرد بسلع أو خدمات لا تُحقق مطالبه، وعلى الدولة المتابعة والأخذ بمصلحة الجميع وتوفير حاجات الناس وتلبية رغباتهم، والعمل على ما يُحقق التنمية الاقتصادية المنشودة في الإسلام بناءً على مقاصد الشريعة الإسلامية، وعدم التدخُّل بالملكيات الخاصة إلّا عند الضرورة، كما فعل عمر بن الخطّاب _رضي الله عنه_ في عام المجاعة.