6- قال جل وعز: ﴿ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [فصلت: 12]. 7- قال جل جلاله: ﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ﴾ [الملك: 3]. 8- قال تبارك وتعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ﴾ [نوح: 15].
وقال الشوكاني رحمه الله: " (ومن الأرض مثلهن) أي وخلق من الأرض مثلهن ، يعني سبعا، واختلف في كيفية طبقات الأرض: قال القرطبي في تفسيره: واختلف فيهن على قولين: أحدهما وهو قول الجمهور أنها سبع أرضين طباقا بعضها فوق بعض ، بين كل أرض وأرض مسافة كما بين السماء والأرض ، وقال الضحاك: إنها مطبقة بعضها على بعض من غير فتوق بخلاف السموات ، والأول أصح ؛ لأن الأخبار دالة عليه " انتهى من "فتح القدير" (5/ 346). وقال السعدي رحمه الله: " أخبر تعالى أنه خلق الخلق من السماوات السبع ومن فيهن والأرضين السبع ومن فيهن، وما بينهن ، وأنزل الأمر ، وهو الشرائع والأحكام الدينية التي أوحاها إلى رسله لتذكير العباد ووعظهم ، وكذلك الأوامر الكونية والقدرية التي يدبر بها الخلق ، كل ذلك لأجل أن يعرفه العباد ويعلموا إحاطة قدرته بالأشياء كلها ، وإحاطة علمه بجميع الأشياء فإذا عرفوه بأوصافه المقدسة وأسمائه الحسنى وعبدوه وأحبوه وقاموا بحقه ، فهذه الغاية المقصودة من الخلق والأمر معرفة الله وعبادته، فقام بذلك الموفقون من عباد الله الصالحين، وأعرض عن ذلك الظالمون المعرضون " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 872). وروى الطبراني في "المعجم الكبير" (8987) بسند حسن عن ابن مسعود قال: " ما بين السماء الدنيا والتي تليها مسيرة خمسمائة عام وما بين كل سماء مسيرة خمسمائة عام ".
وهذا لا يدل على تعدد الأرض بوجود سبع مستقلة منفصل بعضها عن بعض كالسموات، وهو لم يرد تفسيرًا للآية. ويليه حديث ابن عباس في كون كل أرض منها منفصلة عن غيرها مستقلة يسكنها عقلاء مكلفون، فيهم رسل منهم كأشهر الرسل منا. وقد ضعَّفوه بشذوذ متنه عندهم لاستغراب وجود رسل في عالم آخر غير أرضهم. قال القسطلاني: ففيه -أي في تضعيف البيهقي والذهبي له بالشذوذ- أنه لا يلزم من صحة الإسناد صحة المتن كما هو معروف عند أهل هذا الشأن، فقد يصح الإسناد ويكون في المتن شذوذ وعلة تقدح في صحته. ومثل هذا لا يثبت بالحديث الضعيف. معنى قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ﴾. وقال في البداية: وهذا محمول إن صح نقله على أن ابن عباس أخذه من الإسرائيليات، اهـ. وأقول: إن هذه القاعدة صحيحة عند المحدثين والأصوليين جميعًا ولكن قلَّ من عني بتحكيمها في الأحاديث الشاذة المتون، بمخالفة القطعيات حتى الحسية منها كحديث أبي ذر رضي الله عنه في غروب الشمس، وكونها تكون مدة غيابها عن الأرض ساجدة تحت العرش تستأذن ربها في العودة إلى الطلوع إلخ، وهو متن مخالف للحس، فإن الشمس لا تغيب عن الأرض كلها طرفة عين، وإنما تغرب عن قوم وتطلع على آخرين، وهذا مشاهد معلوم بالقطع. ولما أوردنا رد طعن الطاعنين على الإسلام به وبينا الرد على ذلك من عدة وجوه طعن في ديننا الشيخ يوسف النبهاني الشاعر بجهله وتعصبه لأنه مروي في الصحيح.
وقد نقل الراغب عن بعض العلماء عبارة بديعة في هذا المعنى وهي: كل سماء بالإضافة إلى ما دونها فسماء وبالإضافة إلى ما فوقها فأرض، إلا السماء العليا فإنها سماء بلا أرض. قال: وحمل على هذا قوله: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾. وأقول: إن هذه الدراري إنما كانت تعد سبعًا في عرف المتقدمين بعد الشمس، والقمر منها دون الأرض، وهي تعد الآن ثماني، منها الأرض وكوكبان عُرفا بمراصد هذا العصر وهما أورانوس ونبتون، ومكانهما وراء زحل أي فوقه، ودونه المشتري، فالمريخ فالزهرة فعطارد، وهي سبع سموات بالنسبة إلينا كما تقدم. فبقيت عبارة القرآن صحيحة في نفسها وإن كانت السموات السبع مجهولة لنا، كأن تكون من عالم الغيب. فالواجب أن يحمل معنى المثلية على أعم الوجوه ككونها من خلق الله الدال على قدرته وعلمه كما يدل عليه آخر الآية وسيأتي، ولكن هذا القول مردود بالآيات القرآنية المتعددة. وقد ورد في الأحاديث والآثار روايات كثيرة في ذكر السموات السبع والأرض، وفي بعضها ذكر لتعدد الأرض. وقد عقد البخاري في كتاب بدء الخلق من صحيحه بابًا سماه: باب ما جاء في سبع أرضين. وقول الله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ إلخ الآية، وذكر فيه حديث عائشة مرفوعًا: «مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الْأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» ، وحديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل «أشهد لسمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ».
وإذا أراد الرجل أن يستريح تمدد ، فسميت الراحة سبتا. وقيل: أصله القطع; يقال: سبت شعره سبتا: حلقه; وكأنه إذا نام انقطع عن الناس وعن الاشتغال ، فالسبات يشبه الموت ، إلا أنه لم تفارقه الروح. ويقال: سير سبت: أي سهل لين; قال الشاعر [ حميد بن ثور]: ومطوية الأقراب أما نهارها فسبت وأما ليلها فذميل وجعلنا الليل لباسا أي تلبسكم ظلمته وتغشاكم; قاله الطبري. وقال ابن جبير والسدي: أي سكنا لكم. وجعلنا النهار معاشا فيه إضمار ، أي وقت معاش ، أي متصرفا لطلب المعاش وهو كل ما يعاش به من المطعم والمشرب وغير ذلك ف " معاشا " على هذا اسم زمان ، ليكون الثاني هو الأول. ويجوز أن يكون مصدرا بمعنى العيش على تقدير حذف المضاف. ألم نجعل الأرض مهاداً - مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام. وبنينا فوقكم سبعا شدادا أي سبع سماوات محكمات; أي محكمة الخلق وثيقة البنيان. وجعلنا سراجا وهاجا أي وقادا وهي الشمس. وجعل هنا بمعنى خلق; لأنها تعدت لمفعول واحد والوهاج الذي له وهج; يقال: وهج يهج وهجا ووهجا ووهجانا. ويقال للجوهر إذا تلألأ توهج. وقال ابن عباس: وهاجا منيرا متلألئا. وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا قال مجاهد وقتادة: والمعصرات الرياح. وقاله ابن عباس: كأنها تعصر السحاب. وعن ابن عباس أيضا: أنها السحاب.
بسم الله الرحمن الرحيم. يريد سبحانه وتعالى في الآيات الكريمة التالية (من سورة النبأ) أن يُلفت نظر الإنسان إلى بعض ما يغمره به من إحسانه، ويفصِّل له بعض ما عمَّه به من فضله ونعمته. فقال جلّ شأنه مستنكراً على المعرضين عدم نظرهم وجمود تفكيرهم: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً}: والمهاد: هو الشيء المهيأ والموطأ للاستعمال والانتفاع. فآية: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً} تقول: أما رأيتم فضلي ونعمتي! إذ جعلت الأرض مهيَّأة لزرعكم موطَّأة لحياتكم! أما جعلت لكم فيها جميع الأسباب اللازمة لخروج الزرع! أما خلقت لكم فيها التراب ولولاه لما نبت زرع! أما جعلت فيها البحار لتمد السحب بالماء! أما أنشأت لكم فيها المستودعات التي تمدُّ العيون والأنهار! أما ألقيت في الأرض جميع ما تحتاجونه من أنواع النبات والحيوان، إلى غير ذلك ما لا يتسع له البيان... ماذا يكون عليه حالكم لو لم أتفضَّل عليكم بذلك كله! أفلا ترونه! أفلا تفكِّرون! الم نجعل الارض مهادا و الجبال اوتادا. {وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً}: والأوتاد: جمع وتد، وهو كل ما غُرز في الأرض فكان مثبِّتاً ومقوِّياً وحافظاً للتوازن. والله تعالى يريد أن يلفت نظرنا بهذه الآية إلى الجبال وما تقوم به من الوظيفة الهامّة في تثبيت الأرض خلال جريها في الفضاء وتثبيت القشرة الأرضية من الانسياح، فهذه الآية تقول: أما نظرتم إلى حركة الأرض!
{أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8)} [النبأ] { أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا}: أما أنعم الله على عباده بنعم تترى لا تعد ولا تحصى, منها هذه الأرض التي مهدها لخلقه وهيأها لمصالحهم من الحرث والثمار والمساكن والسبل والكنوز وغيرها. وجعل الجبال الشواهق أوتاداً ذات جذور تمتد في الأرض لتحفظ توازنها وتمنع اضطرابها. وخلق بني آدم أزواجاً من ذكر وأنثى وخلق فيهم دواعي المعاشرة والتزاوج لتتبادل المنافع والمودة بالزواج والتناسل والمصاهرة والتقارب. قال تعالى: { أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8)} [النبأ] قال السعدي في تفسيره: أي: أما أنعمنا عليكم بنعم جليلة، فجعلنا لكم { { الْأَرْضَ مِهَادًا}} أي: ممهدة مهيأة لكم ولمصالحكم، من الحروث والمساكن والسبل. { { وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا}} تمسك الأرض لئلا تضطرب بكم وتميد. ألم نجعل الأرض مهادا. { { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا}} أي: ذكورا وإناثا من جنس واحد، ليسكن كل منهما إلى الآخر، فتكون المودة والرحمة، وتنشأ عنهما الذرية، وفي ضمن هذا الامتنان، بلذة المنكح.