فلما رأى زكريا هذه الكرامة من مريم عليها السلام تمنى من ربه بأن يرزقه الله ولدًا صالحًا، فدعا زكريا ربه وقال: " هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ" آل عمران:38. وكان من زكريا عليه السلام أنه خاف الموالي أي الذين كانوا يلونه في النسب وهم بنو عمه؛ لأنه كان منهم أشرار بني إسرائيل فخاف أن لا يقوموا بخلافته بشكل حسن في أمته ويبدّلوا عليهم دينهم. وبعدها جاءته الملائكة بالبشرى ونادته بأمر الله تعالى فقال تعالى: "يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا" ولم يسمى هذا الإسم لأحدٍ من قبل، فقد تساءل زكريا عليه السلام وهو في محرابه ويقول لربه: "قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا – قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ". فقد كان تعجب زكريا وزوجته تعجبًا مكنىً به عن شكر الله تعالى بهذه الهدية والعطية الكريمة من عند الله، ثم أن زكريا عليه السلام بعدما بشرته الملائكة ببشارة يحيى له طلب من الله تعالى أن يجعل له دليلًا وعلامة على وجود الحمل في بطن زوجه، وذلك ليطمئن قلبه ويستقر، فاستجاب الله تعالى لطلب زكريا وجعل له علامة، فقال تعالى: " قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا" وخرج من المحراب الذي بُشر فيه بيحيى.
امتلأ قلب زكريا بالشكر لله وحمده وتمجيده.. وسأل ربه أن يجعل له آية أو علامة. فأخبره الله أنه ستجيء عليه ثلاثة أيام لا يستطيع فيها النطق.. سيجد نفسه غير قادر على الكلام.. سيكون صحيح المزاج غير معتل.. إذا حدث له هذا أيقن أن امرأته حامل، وأن معجزة الله قد تحققت.. وعليه ساعتها أن يتحدث إلى الناس عن طريق الإشارة.. وأن يسبح الله كثيرا في الصباح والمساء.. وخرج زكريا يوما على الناس وقلبه مليء بالشكر.. وأراد أن يكلمهم فاكتشف أن لسانه لا ينطق.. وعرف أن معجزة الله قد تحققت.. فأومأ إلى قومه أن يسبحوا الله في الفجر والعشاء.. وراح هو يسبح الله في قلبه.. صلى لله شكرا على استجابته لدعوته ومنحه يحيي.. ظل زكريا عليه السلام يدعوا إلى ربه حتى جاءت وفاته. ولم ترد روايات صحيحة عن وفاته عليه السلام. لكن ورايات كثير -ضعيفة- أوردت قتله على يد جنود الملك الذي قتل يحيى من قبل.
وازداد زكريا عليه السلام في الشكر لله والحمد له، وسأل ربه أن يجعل له آية أو علامة. قال زكريا: «قال رب اجعل لي آية قال آيتُك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا، فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا» سورة مريم الآيتان 10-11. أخبره الله عن طريق الوحي أنه ستجيء عليه ثلاثة أيام لا يستطيع فيها النطق ويجد نفسه غير قادر على الكلام ويكون صحيحا غير معتل، إذا حدث له هذا تيقن زكريا عليه السلام أن امرأته حامل، وأن معجزة الله قد تحققت، وعليه في ذلك الوقت أن يتحدث إلى الناس عن طريق الإشارة، وأن يسبح الله كثيرا في الصباح والمساء، ويدعو الناس إلى تسبيحه في الصباح الباكر وفي العشاء. خرج زكريا يوما على الناس وقلبه مليء بالشكر، وأراد أن يكلمهم فاكتشف أن لسانه لا ينطق، عرف وقتها أن معجزة الله تحققت فأومأ إلى قومه أن يسبحوا الله في الفجر والعشاء، وراح هو يسبح الله في قلبه، وصلى لله شكرا على استجابته لدعوته. يوضح د. أحمس حسن صبحي في كتاب «المبعوثون إلى الأرض.. قصص الأنبياء» وعندما كانت إيشاع زوجة زكريا حاملاً بيحيى، في الوقت ذاته كانت ابنة أختها مريم حاملا بعيسى عليه السلام، وولد عيسى بعد ميلاد يحيى بثلاثة أشهر.
فلما بشر بالولد وتحقق البشارة شرع يستعلم على وجه التعجب وجود الولد له والحالة هذه (قال رب أني يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقراً وقد بلغت من الكبر عتياً) أي: كيف يوجد ولد من شيخ كبير، قيل: كان عمره إذ ذاك سبعاً وسبعين سنة، والأشبه والله أعلم أنه كان أسن من ذلك وكانت امرأتي في حال شبيبتها عاقراً لا تلد، والله أعلم. وهكذا أجيب زكريا عليه السلام، قال له الملك الذي يوحي إليه بأمر ربه: (كذلك قال ربك هو على هين) أي: هذا سهل يسير عليه (وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً) أي: قدرته أوجدتك بعد أن لم تكن شيئاً مذكوراً، أفلا يوجد منك ولد وإن كنت شيخاً؟! وقال تعالى: { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ} (سورة الأنبياء:90). ومعنى إصلاح زوجته: أنها كانت لا تحيض فحاضت، وقيل: كان في لسانها شيء، أي بذاءة. (قال رب اجعل لي آية) أي: علامة على وقت تعلق مني المرأة بهذا الولد المبشر به، (قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سوياً) يقول: علامة ذلك أن يعتريك سكت لا تنطق معه ثلاثة أيام إلا رمزاً، وأنت في ذلك سوي الخلق صحيح المزاج معتدل البينة، وأمر بكثرة الذكر في هذه الحال بالقلب واستحضار ذلك بفؤاده بالعشي والإبكار، فلما بشر بهذه البشارة خرج مسروراً بها على قومه من محرابه، (فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا).
ويظهر التعجب من قدرته؛ لأنه سبحانه أعطاه ما لم تجرِ العادة به. - قوله تعالى: { قال كذلك الله يفعل ما يشاء} (آل عمران:40)، أي: مثل ذلك الفعل العجيب، والصنع البديع الذي رأيته من أن يكون لك ولد، وأنت شيخ كبير، وامرأتك عاقر، مثل ذلك الفعل يفعل الله ما يشاء أن يفعله؛ لأنه سبحانه هو خالق الأسباب والمسبَّبَات، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وبقدرته أن يغير ما جرت به العادات بين الناس. - قوله سبحانه: { قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا} (آل عمران:41)، قال الزمخشري: وإنما خَصَّ تكليم الناس؛ لِيُعْلِمَه أنه يحبس لسانه عن القدرة على تكليمهم خاصة، مع إبقاء قدرته على التكلم بذكر الله، ولذلك قال: { واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار}، يعني في أيام عجزك عن تكليم الناس، وهي من الآيات الباهرة. ويمكن أن يقال: إن زكريا عندما طلب آية يعرف بها أن زوجته قد حملت بهذا الغلام الذي بشره الله به، أخبره سبحانه أن العلامة على ذلك أن يوفق إلى خلوص نفسه من شواغل الدنيا، حتى إنه ليجد نفسه متجهاً اتجاهاً كلياً إلى ذكر الله، وتمجيده وتسبيحه، دون أن يكون عنده أي دافع إلى كلام الناس، أو مخالطتهم مع قدرته على ذلك.