وقال زيد بن أرقم: جاء ناس من العرب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى هذا الرجل فإن يكن نبيا فنحن أسعد الناس به ، وإن يكن ملكا نعش في جنابه ، فجاءوا فجعلوا ينادونه ، يا محمد يا محمد ، فأنزل الله: " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم.
759 - وكانت قصة هذه المفاخرة على ما أخبرناه أبو إسحاق أحمد بن محمد المقرئ قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن الحسن السدوسي قال: حدثني الحسن بن صالح بن هانئ قال: حدثنا الفضل بن محمد بن المسيب قال: حدثنا قاسم بن أبي شيبة قال: حدثنا معلى بن عبد الرحمن قال: حدثنا عبد الحميد بن جعفر ، عن عمر بن الحكم ، عن جابر بن عبد الله قال: جاءت بنو تميم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فنادوا على الباب: يا محمد ، اخرج إلينا ، فإن مدحنا زين ، وإن ذمنا شين. فسمعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فخرج إليهم وهو [ ص: 201] يقول: " إنما ذلكم الله الذي مدحه زين وذمه شين " ، فقالوا: نحن ناس من بني تميم جئنا بشاعرنا وخطيبنا نشاعرك ونفاخرك.
وقرئ بهن جميعا، والمراد: حجرات نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت لكل واحد منهن حجرة. ومناداتهم من ورائها يحتمل أنهم قد تفرقوا على الحجرات متطلبين له، فناداه بعض من وراء هذه، وبعض من وراء تلك، وأنهم قد أتوها حجرة حجرة فنادوه من ورائها، وأنهم نادوه من وراء الحجرة التي كان فيها، ولكنها جمعت إجلالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولمكان حرمته. والفعل وإن كان مسندا إلى جميعهم فإنه يجوز أن يتولاه بعضهم، وكان الباقون راضين، فكأنهم تولوه جميعا، فقد ذكر الأصم: أن الذي ناداه عيينة بن حصن والأقرع بن حابس. والإخبار عن أكثرهم بأنهم لا يعقلون: يحتمل أن يكون فيهم من قصد بالمحاشاة. ويحتمل أن يكون الحكم بقلة العقلاء فيهم قصدا إلى نفى أن يكون فيهم من [ ص: 564] يعقل، فإن القلة تقع موقع النفى في كلامهم. وروي: أن وفد بني تميم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت الظهيرة وهو راقد، فجعلوا ينادونه: محمد اخرج إلينا، فاستيقظ فخرج ونزلت: وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم فقال: "هم جفاة بني تميم، لولا أنهم من أشد الناس قتالا للأعور الدجال لدعوت الله عليهم أن يهلكهم" فورود الآية على النمط الذي وردت عليه فيه ما لا يخفى على الناظر: من بينات إكبار محل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجلاله: منها مجيئها على النظم المسجل على الصائحين به بالسفه والجهل، لما أقدموا عليه.