هذا اعتقاد باطل فاسد. [ ثانياً: تقرير البعث والجزاء]. من هداية الآيات: تقرير عقيدة البعث الآخر والجزاء فيه على كسب الدنيا والعمل فيها، والبعث الآخر: أن يبعثنا الله كلنا أحياء على صعيد واحد، ويحاسبنا ويجزينا بحسب عملنا: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا [فصلت:46]. [ ثالثاً: موعظة كبيرة في هذه الآية: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ [الجاثية:21] إلى آخرها، حتى إن أحد رجال السلف الصالح قام يتهجد من الليل فقرأ حتى انتهى إلى هذه الآية، فأخذ يرددها ويبكي حتى طلع الفجر]. هذه الآية تسمى مبكاة العابدين، فثلاثة منهم باتوا طول الليل يبكون، حين يقرأ هذه السورة ويصل إلى هذه الآية وهو يتهجد يبكي ويكررها حتى يطلع الفجر، من بينهم الفضيل بن عياض ، وهم ثلاثة أشخاص ذكرهم القرطبي في كتابه، فالواحد منهم إذا وصل هذا الآية وهو يصلي يبكي وما يستطيع أن يتجاوزها حتى يطلع عليه الفجر، الربيع بن خثيم و تميم الداري و الفضيل بن عياض. أفرأيت من اتخذ إلهه هواه| برنامج مباحث في التزكية والأخلاق - YouTube. فهي موعظة كبيرة: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [الجاثية:21] يتلونها ويبكون، ويعيدونها ويبكون حتى يطلع عليهم الفجر.
فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ [الجاثية:23]؟ اللهم لا أحد، والله قد شاء إضلاله وضلاله، لعلمه بأنه يحب الباطل والشر والفساد. الثلاث المهلكات والثلاث المنجيات وهنا -معاشر المستمعين- الهوى والعياذ بالله تعالى هو ميل النفس إلى الشيء، إذا مالت نفسك إلى شيء فلا تستجب لها، لا تقبل ذلك أنت، اقبل الحق والمعروف، أما أن تستجيب لما تهوى إليه نفسك وتميل إليه فهذا هو عبادة الهوى، ومن هنا يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( ثلاث مهلكات وثلاث منجيات)، ثلاثة أشياء أو خصال مهلكة نذكرها حتى نبتعد عنها ابتعاداً كاملاً، ولا نرضاها لأنفسنا ولا ساعة من يومنا أو ليلتنا، وثلاث منجيات نعمل بجد واجتهاد على أن نعملها ونتصف بها. قال عن المهلكات: ( شح مطاع) شحيح ويطيع شحه حتى يمنعه أن يطعم والده أو أمه، فالشح إذا أطيع والعياذ بالله فقد يشح حتى على نفسه فما يشرب أو يأكل، فالشح المطاع والله لمن المهلكات، الشح غريزي طبيعي فطري، لكن لا يطاع، بل يعصى وما يستجاب له. أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم. قال: ( وهوى متبع) فالهوى من اتبعه أهلكه، وهو ميل النفس إلى الباطل إلى الشر إلى الخبث، فإن استجبت واتبعته هلكت، وإن ابتعدت عنه ورفضته وكلما ظهر تركته نجوت.
وإذا صح هذا فإن مطابقة القصة لقوله تعالى: { وأضله الله على علم} ظاهرة. وعن مقاتل أيضاً: أنها نزلت في الحارث بن قيس السهمي أحد المستهزئين كان يَعْبُد من الأصنام ما تهواه نفسه. وهذه الآية أصل في التحذير من أن يكون الهوى الباعث للمؤمنين على أعمالهم ويتركوا اتباع أدلة الحق ، فإذا كان الحق محبوباً لأحد فذلك من التخلق بمحبة الحق تبعاً للدليل مثل ما يهوى المؤمن الصلاة والجماعة وقيامَ رمضان وتلاوة القرآن وفي الحديث « أرِحْنا بها يا بلال » يعني الإقامة للصلاة. وعن عبد الله بن عمْرو بن العاصي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئتُ به » وعن أبي الدرداء « إذا أصبح الرجل اجتمع هَواه وعَمله وعلمه فإن كان عمَلُه تبعاً لهواه فيومه يوم سوء وإن كان عمله تبعاً لِعلمه فيومه يوم صالح ». من اتخذ الهه هواه واضله الله على علم. وأما اتباع الأمر المحبوب لإرضاء النفس دون نظر في صلاحه أو فساده فذلك سبب الضلال وسوء السيرة. قال عمرو بن العاصي: إذا المرء لم يترك طعاماً يحبه... ولم ينْه قلباً غاوياً حيثُ يَمَّمَا فيوشك أن تَلقَى له الدهرَ سبَّة... إذا ذُكرت أمثالها تَمْلأ الفما ومن الكلمات المأثورة « ثلاث من المهلكات: شُحّ مطاع ، وهوًى متبع ، وإعجاب المرأ بنفسه » ويروى حديثاً ضعيف السند.