[ ص: 73] وتقدم " وأنتم " على الخبر الفعلي لمجرد التقوي وزيادة التنبيه على أنهم لا يظلمون وإنما يظلمون أنفسهم. وإنما جعلت هاته الأحكام جملا مستقلا بعضها عن بعض ولم تجعل جملة واحدة مقيدة فائدتها بقيود جميع الجمل ، وأعيد لفظ الإنفاق في جميعها بصيغ مختلفة تكريرا للاهتمام بشأنه ، لتكون كل جملة مستقلة بمعناها قصيرة الألفاظ كثيرة المعاني ، فتجري مجرى الأمثال وتتناقلها الأجيال. وقد أخذ من الآيات الأخيرة - على أحد التفسيرين - جواز الصدقة على الكفار ، والمراد الكفار الذين يختلطون بالمسلمين غير مؤذين لهم ، وهم أهل العهد وأهل الذمة والجيران ، واتفق فقهاء الإسلام على جواز إعطاء صدقة التطوع للكافرين ، وحكمة ذلك أن الصدقة من إغاثة الملهوف ، والكافر من عباد الله ، ونحن قد أمرنا بالإحسان إلى الحيوان ، ففي الحديث الصحيح: قالوا: يا رسول الله ، وإن لنا في البهائم لأجرا ؟ فقال: في كل ذي كبد رطبة أجر.
نشر بتاريخ: 11/04/2022 ( آخر تحديث: 11/04/2022 الساعة: 13:20) الكاتب: د. عصام يوسف رئيس الهيئة الشعبية العالمية لدعم فلسطين يكاد العمل الخيري يقدم من تلقاء نفسه ما يثبت البراهين والحجج بكونه النواة الأولى لنظرية تكوين المجتمعات الإنسانية، وإيجاد أسباب بقائها، وازدهارها وتطورها، بما يمكن المصادقة على ذلك علمياً وأخلاقياً ودينياً وثقافياً، وفي الميدان بشكل عملي. ولعل ذلك ما يؤكد الحكمة الربانية في جعل العمل الخيري وسيلة على المسلم أن يتبعها امتثالاً لأمر الله –سبحانه وتعالى- وابتغاءً لمرضاته، والتقرب منه -جلا وعلا-، سيما أن في عمل الخير سر بقاء البشرية، وعمارة الأرض، وديمومتها. وتبرز في المجتمع المسلم الزكاة والصدقة، وما ينسل منهما من أعمال كتعليم العلم وتحفيظ القرآن، وأعمال الإغاثة بأشكالها المختلفة، وغيرها من أعمال البر التي تعبّر عن صور ذهنية للعمل الخيري لدى تلك المجتمعات، وإن كانت فضاءات عمل الخير أكثر رحابة واتساعاً، بحيث تشمل كل عمل فيه نفع للناس، وتفريج لكربهم، وإنقاذ للأرواح، وتنمية للمجتمع، وتقوية روابطه وأواصره.. وغير ذلك. وما تنفقوا من خير فلأنفسكم. وفي النصوص الشرعية تبدو الدعوة واضحة لأعمال البر والخير، بل والمسارعة بها، كقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (الحج77)، حيث يوضع فعل الخير في تصنيفه ضمن الواجبات الأولى للمسلم، تاليةً للعبادات، ويقصد به هنا المفهوم الشامل لعمل الخير، والذي يعود بالنفع على الآخرين، من صدقات، وتقديم العون للآخرين، وحسن معاملة، والتحلي بمكارم الأخلاق، وصلة الرحم، وبر الوالدين.. وغيرها من أعمال البر والخير.
، فقامت بإضافة بعض السمّ إلى رغيف الخبز الذي صنعته له وكانت على وشك وضعه على النافذة ، لكن بدأت يداها في الارتجاف " ما هذا الذي أفعله؟! ".. قالت لنفسها فورا وهي تلقي بالرغيف ليحترق في النار، ثم قامت بصنع رغيف خبز آخر ووضعته على النافذة. وكما هي العادة جاء الأحدب واخذ الرغيف وهو يدمدم " الشر الذي تقدمه يبقى معك، والخير الذي تقدمه يعود إليك! " وانصرف إلى سبيله وهو غير مدرك للصراع المستعر في عقل المرأة. كل يوم كانت المرأة تصنع فيه الخبز كانت تقوم بالدعاء لولدها الذي غاب بعيدا وطويلا بحثا عن مستقبله ولسنوات عديدة لم تصلها أي أنباء عنه وكانت دائمة الدعاء بعودته لها سالما، في ذلك اليوم الذي تخلصت فيه من رغيف الخبز المسموم دق باب البيت مساء وحينما فتحته وجدت – لدهشتها – ابنها واقفا بالباب!! إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة البقرة - قوله تعالى وما تنفقوا من خير فلأنفسكم - الجزء رقم3. كان شاحبا متعبا وملابسه شبه ممزقة، وكان جائعا ومرهقا وبمجرد رؤيته لأمه قال " إنها لمعجزة وجودي هنا، على مسافة أميال من هنا كنت مجهدا ومتعبا وأشعر بالإعياء لدرجة الانهيار في الطريق وكدت أن أموت لولا مرور رجل أحدب بي رجوته أن يعطيني أي طعام معه، وكان الرجل طيبا بالقدر الذي أعطاني فيه رغيف خبز كامل لأكله!! وأثناء إعطاءه لي قال أن هذا هو طعامه كل يوم واليوم سيعطيه لي لأن حاجتي اكبر كثيرا من حاجته" بمجرد أن سمعت الأم هذا الكلام شحبت وظهر الرعب على وجهها واتكأت على الباب وتذكرت الرغيف المسموم الذي صنعته اليوم صباحا!!
270 - { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} "ما" اسم شرط مفعول به مقدم، والجار "من نفقة" متعلق بنعت لـ "ما"، و "مِنْ" بيانية. والجار "من نذر" متعلق بصفة لـ "ما". وما تنفقوا من خير فهو يخلفه. و "من أنصار": مبتدأ، و "من" زائدة، وجملة "وما للظالمين من أنصار" مستأنفة. 271 - { إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} "فنِعِمَّا هي": الفاء واقعة في جواب الشرط و "نِعْم" فعل ماض للمدح، وأصل عينها السكون، فلما وقعت بعدها "ما" وأدغمت ميم "نعم" فيها كُسرت العين لالتقاء الساكنين، و "ما" معرفة تامة فاعل أي: نِعْم الشيء هي، و "هي" ضمير منفصل مبتدأ، وجملة "فهي نعم الشيء" جواب الشرط في محل جزم، وجملة "نعم الشيء" خبر مقدم عن المبتدأ "هي". ووقوع خبر المبتدأ جملة فعلية متقدمة خلاف الأصل. جملة "ويكفر" مستأنفة، لا محل لها، وكذلك جملة "والله خبير". 272 - { لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} جملة "ولكن الله يهدي" معطوفة على جملة "ليس عليك هداهم" لا محل لها.
ويقدّم البارئ –جل وعلا- الجائزة والحافز الأعظم للمسلم بتخصيص أيام مباركة، يتضاعف فيها الأجر، ويجعل منها أياماً فضلى، ذات فضيلة، كعمل الخير في شهر رمضان، الذي تُقبل فيه النفوس على فعل الخيرات، وتتضح هذه الفضائل في الحديث النبوي الشريف: "إذا كانت أول ليلة من رمضان صُفِّدَتِ الشياطين ومردة الجن وَغُلِّقَتْ أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، ونادى مناد يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أَقْصِرْ، ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة"، رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.