فجاء أخواها، قالوا: أين أختنا؟ قال: تلبسها الشيطان وذهب بها، فجاء الشيطان للأخوين في المنام، وقال: أختكم فحَش بها العابد، وحملت وخنقها وهي في المكان الفلاني، فذهبا فحفرا المكان، وجاءا إلى العابد، وعرضوه إلى الصلب، فجاء الشيطان وقال له: ماذا تقول؟ لا يملك تخليصك من هذا الشنق وهذا القتل غيري، تطيعني؟ قال: أطيعك، قال: اركع واسجد لي، فركع وسجد له، فلما سجد له، وأشرك بالله تولى عنه الشيطان وهو يضحك، وتركه يشنق كافراً ملحداً زانياً، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! أرأيتم خطورة الأمر؟ بدايتها خطوة واحدة من خطوات الشيطان، ثم إذا هو في الدرك الأسفل مع الشيطان، والله سبحانه وتعالى يذكر في القرآن عن هذا الصنف من الناس: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الأعراف:175-176].
والخامسُ: القَتيلُ في سَبيلِ اللهِ تعالَى، وهو مَن مات مِنَ المسلمينَ في جِهادِ الكُفَّارِ بأيِّ سَببٍ مِن أسبابِ قِتالِهم قبْلَ انقضاءِ الحَرْبِ، وهذا هو شَهيدُ الدُّنيا والآخِرةِ، وهو الذي لا يُغَسَّلُ ولا يُكفَّنُ بغيرِ ثِيابِه التي قُتِلَ فيها ولا يُصَلَّى عليه، بخِلافِ الأربعةِ السَّابقةِ، فإنَّهُم شُهداءُ في الآخِرةِ فقطْ، لهم مِن الثَّوابِ كثَوابِ الشَّهيدِ، وأمَّا في الدُّنيا فيُغسَّلون ويُكفَّنون ويُصلَّى عليهم كسائرِ أمواتِ المُسلِمينَ. وإنَّما كانت هذه المَوتاتُ شَهادةً تَفضُّلًا مِن اللهِ تَعالى؛ بسَببِ شِدَّتِها، وكَثرةِ ألَمِها. وقدْ ذَكَرَت رِواياتٌ أُخرى أنواعًا أُخرى مِن الشُّهداءِ غيرَ الخمسةِ المذكورينَ، كما في الصَّحيحَينِ: «مَن قُتِلَ دُونَ مالِه فهو شَهيدٌ»، وكما في سُننِ التِّرمذيِّ: «مَن قُتِلَ دُونَ دِينِه فهو شَهيدٌ، ومَن قُتِلَ دونَ دَمِه فهو شَهيدٌ، ومَن قُتِلَ دونَ أهْلِه فهو شَهيدٌ»، وغيرُ ذلك، فدلَّ هذا على أنَّ العدَدَ المَذكورَ في هذا الحديثِ لا يُفيدُ الحصْرَ، والاختلافُ في العدَدِ بحسَبِ اختلافِ الوحْيِ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فكأنَّ الوحْيَ نزَلَ عليه تِباعًا، في كلِّ مرَّةٍ يُخبِرُه ببَعضِ أنواعِ الشُّهداءِ.
وهكذا -أحبتي في الله- تراهم دائماً وأبداً، تصل بهم المسألة أن يشربوا في قلوبهم العجل، عجل ضخم دخل في أنياط وشعيرات القلوب، عقوبة من الله رب العالمين. الحذر من خبيئة السوء في القلب أحبتي في الله: ليحذر الإنسان من خبيئة السوء في القلب، يتجمل الإنسان في العلانية بالدين أمام الناس، وإذا خلا بالله رب العالمين جعل الله أهون الناظرين إليه، قال صلى الله عليه وسلم: ( لأعلمن أقواماً يأتون يوم القيامة بحسنات كأمثال جبال تهامة بيضاء، يجعلها الله هباءً منثوراً، ألا إنما هم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، غير أنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها). هذا هو الداء الخفي، خبيئة سيئة انطوت عليها القلوب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! علاجها أن تقطع دابرها، وأن تستأصل سببها وموردها ومصدرها، نعم. إذا كان القلب مبتلى بحب الربا فلا علاج له إلا بقطعه، وإذا كان القلب يهوى الغناء فلا علاج له إلا بقطعه، أحرق أشرطة الغناء وأشرطة الفيديو التي فيها الرقص والغناء، لكن يأتيك الشيطان ويقول لك: لا تحرقها، استفد منها، سجل عليها أشياء مفيدة، ثم بعد ذلك إذا تركت ولم تكسر كما حطم موسى العجل الذهبي، وكان بإمكان موسى أن يأخذ هذا الذهب فيبيعه في سوق الذهب، ويأخذ المال يشتري به السلاح للجهاد، ولكنه حرقه ونسفه في اليم نسفاً، لكي يستأصله من جذور القلوب.