كما أنه يفسد أجر ما يقدمه العبد وأخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلّم، أن المنّ من أحد الأسباب التي تبطل صدقات العبد. كذلك ورد في الآية الكريمة، قال -تعالى-: (لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ). كما أن المنّ يعود في الأصل إلي كِبر وبخل الشخص وجحوده فضل ونعمة الله تعالى عليه. شرح وترجمة حديث: ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: أشيمط زان، وعائل مستكبر، ورجل جعل الله بضاعته: لا يشتري إلا بيمينه، ولا يبيع إلا بيمينه - موسوعة الأحاديث النبوية. فيتمسك المنان بما لديه ويرى أنه عظيم من الصعب عليه تقديمها لغيره. وعندما يستطيع تقديمه لأي شخص يشعر وكأنه أعطاه شيء عظيمًا أنعم عليه به ونسي أن الله هو من أعطى له كل هذا النعيم. كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ الله -تعالى- توعّد المنّان بالعذاب الشّديد يوم القيامة. الثالث: المنفق سلعته بالحلف الكذب وهذا النوع الثالث والأخير الذي أخبرنا به رسول الله وسنتعرف على معناه فيما يلي: وهذا النوع هو الذي يبيع سلعته بحلف يمين كاذب لينجح تجارته الذي يعمل بها. كما وردت آية في هذا النوع، قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّـهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَـٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّـهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
2- الذي ينفق سلعته بالحلف الفاجر المقصود به هنا هو البائع المروج لسلعته بواسطة الحلف الكاذب ، بغرض إغراء المشتري ، أو الحلف الكاذب بأنه يبيع سلعته بأقل من سعرها الحقيقي لخداع المشتري ، على سبيل المثال يحلف البائع بأنه اشتراها بعشرة وهو اشتراها بثمانية ، حتى يرفع السعر والمكسب. 3- المسبل لإزاره والمقصود هنا بالإزار الثوب ، واسباله بمعنى ترخيته ليجر طرفه على الأرض ، وهذا نوع من الكبر والاستعلاء والتباهي ، ولقد تقيد النهي عن إسبال الثوب إذا كان للخيلاء فقط ، وهناك ما يؤكد ذلك في السنة النبوية ، في حديثٍ نبوي آخر، فقد روى عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ، لم ينظُرِ اللهُ إليه يومَ القيامة، فقال أبو بكرٍ: إنَّ أحدَ شِقَّيْ ثوبي يَسْتَرْخِي، إلا أن أتعاهَدَ ذلكَ منه؟ فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنكَ لَنْ تَصْنَعَ ذلِكَ خُيَلاءً).
أخرجه الترمذي وصححه الألباني. وللاستزادة في معنى الإسبال وحكمه وأقوال أهل العلم فيه والصلاة خلف المسبل نرجو مراجعة الفتوى رقم: 5943 والفتوى رقم: 7445. وأما المنان فهي صفة مبالغة من المن، وهو الذي لا يعطي شيا إلا منه كما قال المباركفوري، وقيل هو الذي إذا كال أو وزن نقص. ثلاثه لا يكلمهم الله يوم القيامه. قال الخطابي في معالم السنن: ويتأول على وجهين: أحدهما: من المنة، وهي إن وقعت في الصدقة أبطلت الأجر، وإن وقعت في المعروف كدرت الصنيعة وأفسدتها. قال: والوجه الآخر أن يراد بالمن النقص يريد النقص في الحق والخيانة في الوزن والكيل ونحوهما، ومن هذا المعنى قوله تعالى: وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ {القلم: 3} أي منقوص. وقد بينا في الفتوى رقم: 21126 أن من المن ما هو مذموم ومنه ما ليس كذلك، فنرجو مراجعتها. وأما المنفق سلعته بالحلف الكاذب أو الفاجر: فهو الذي يروج مبيعه وبضاعته بذلك كما في تحفة الأحوذي، ومن صور ذلك أن يحلف كذبا أنه اشتراها بكذا وكذا، أو أنه أعطي فيها كذا وكذا، أو أنها أصلية وجيدة ونحو ذلك، مما يرغب فيها فتشترى منه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة. متفق عليه. وللاستزادة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 53333.
فأيُّ خسارةٍ يُمنى بها هؤلاء المحرومون، و﴿ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الحج: 11]. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم. الخطبة الثانية أما بعد إخوة الإسلام، إنَّ أقسى وأشدَّ أنواع الحرمان هو عندما يتخلى اللهُ تعالى عن الإنسانِ ويتركه، فلا يكلمه ولا ينظرُ إليه، خاصةً في يومٍ عظيمٍ هولُه، عظيم كربُه، عظيم شدته وأحواله، يكون المرءُ فيه بأمسِّ الحاجةِ إلى نظرِ الله ورحمته له. ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة. إنَّ هذا الحرمان لم يكن إلا لأنه أقدمَ على مباشرةِ ما سبقَ من الأفعالِ القبيحةِ وغيرها، ولم يراعِ حدودَ الله تعالى. معاشر المسلمين، هناك أصنافًا آخرين جاء ذكرهم في سنَّةِ الرسول عليه الصلاة والسلام أنَّ الله تعالى لا ينظرُ إليهم يوم القيامة؛ أي: لا يرحمهم ولا يَلطفُ بهم، ولا يزكِّيهم ولا يُطهرهم، وتوعَّدهم بالعذاب الأليم، ومنهم: • العاقُّ لوالديه، والمترجلةُ من النساء، والديوثُ الذي يُقرُّ الفجورَ في أهله، ولا يغارُ على عرضه، ففي الحديث الذي رواه أحمد والنسائي عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا ينظرُ الله إليهم يوم القيامة: العاقُّ لوالديه، والمرأةُ المترجِّلة المتشبهة بالرجال، والديوث".
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان " قال: وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا [ أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم]). الحديث الرابع: قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن غيلان ، حدثنا رشدين عن زبان ، عن سهل بن معاذ بن أنس ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن لله تعالى عبادا لا يكلمهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم " قيل: ومن أولئك يا رسول الله ؟ قال: " متبرئ من والديه راغب عنهما ، ومتبرئ من ولده ، ورجل أنعم عليه قوم فكفر نعمتهم وتبرأ منهم ". الحديث الخامس: قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا هشيم ، أنبأنا العوام - يعني ابن حوشب - عن إبراهيم بن عبد الرحمن - يعني السكسكي - عن عبد الله بن أبي أوفى: أن رجلا أقام سلعة له في السوق ، فحلف بالله لقد أعطى بها ما لم يعطه ، ليوقع فيها رجلا من المسلمين ، فنزلت هذه الآية: ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) ورواه البخاري ، من غير وجه ، عن العوام.