قد بينا فيما سبق أن أمة الإسلام وسط بين الأمم ، كما قل تعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا) البقرة. وأن أهل السنة والجماعة وسط بين الفرق وأهل الأهواء والبدع. ومن ذلك وسطية أهل السنة في " أفعال العباد " وعلاقتها بالخالق سبحانه. قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى: وهم – أي أهل السنة والجماعة – وسط في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية. [ الواسطية ص 186]. وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: وقصّر بقوم حتى قالوا: إن الله سبحانه لا يقدر على أفعال عباده، وشاءها منهم، ولكنهم يعملونها بدون مشيئة الله تعالى وقدرته!! وتجاوز بآخرين حتى قالوا: إنهم لا يفعلون شيئا ألبته، وإنما الله سبحانه هو قائل تلك الأفعال حقيقة، فهي نفس فعله لا أفعالهم، والعبيد ليس لهم قدرة ولا فعل ألبته! ( إغاثة اللهفان). الدرس السابع :وسطية أهل السنة في باب الاعتقاد. | مشروع مقرر حاسب1. فقد ضل في باب أفعال العباد طائفتان: الجبرية: وهم الجهمية القائلون: إن العباد لا إرادة لهم! ولا قدرة لهم على فعل الطاعات، ولا ترك المنهيات، وهم مجبورون على فعل ذلك كله!! وهذا غلو وتطرف. فالعبد عندهم مجبور على فعله، وحركاته وأفعاله اضطرارية كحركة المرتعش، والعروق النابضة، وكحركات الأشجار في مهب الريح، وإضافتها إلى الخلق مجاز!!
معلوم أن مسائل الاعتقاد من أهم مسائل الديانة، لما ينبني عليها من مسائل العبادات، والأخلاق، والمعاملات. فمن حَسُن اعتقاده حسنت عباداته ومعاملاته بل وسلوكه وأخلاقه: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} سورة محمد(17) ومن فسد اعتقاده فسد فهمه للأمور وتصوره، وفسَد بذلك حاله في العبادات والمعاملات والأحكام. وتوفيق الله تعالى أهل السنة والجماعة لحسن الاعتقاد يرجع لعدة أمور منها: 1- أنهم يؤمنون بالكتاب كله، وبما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا يأخذون ببعض النصوص دون بعض كحال من ضل:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ.. } سورة البقرة(85) أو يتخيرون من النصوص ما يوافق أهواءهم: {فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ.. } سورة آل عمران(7). وسطية أهل السنة والجماعة بين المذاهب والفرق. 2- أنهم حكّموا النصوص من الكتاب والسنة على الآراء والعقول والأهواء، وجعلوا هذه الأمور تابعة للنصوص لاحاكمة عليها، لأن النصوص منضبطة، والأذواق والأهواء لاضابط لها، فمن تقيد بالمنضبط نجا ومن اتبع هواه ضل كما تواترت بذلك النصوص.
وسطية أهل السنة والجماعة في باب الاعتقاد أولا: في توحيد أسماء الله وصفاته: فمن أصولهم التي يدينون بها: إثبات ما ورد يف كتاب الله عز وجل أو في سنة رسوله من أسماء الله وصفاته، لا يفرقون بين أسماء اهلل وصفاته ولا بين بعض صفاته وبعض. فهم وسط بين المعطلة الذين عطلوا صفات الخالق سبحانه وتعالى، وبني الممثلة الذين مثلوا صفات الخالق. سبحانه وتعالى. ثانيا: في الأسماء و الأحكام: الكبيرة: كل ذنب توعد عليه بغضب أو لعن أو حد. المراد بالأسماء: أسماء الدين التي تطلق على المكلفين، مثل (مؤمن، مسلم، كافر، فاسق). المراد بالأحكام: ما يترتب على هذه الأسماء والأوصاف من الثواب والعقاب. ف الخوارج: يقولون بكفر مرتكب الكبيرة، وأنه في الآخرة خالد في النار. و المعتزلة: يقولون إن مرتكب الكبيرة في منزلة بين الإيمان والكفر، وهو في الآخرة خالد في النار. و المرجئة: يقولون لا يضر مع الإيمان ذنب، وفي الآخرة يدخل الجنة بإيمانه. أما أهل السنة والجماعة: فيقولون في مرتكب الكبيرة: (مؤمن بإيمانه ، فاسق بكبيرته) ، وحكمه في الآخرة إذا مات ولم يتب داخل تحت مشيئة الله، إن شاء غفر له وأدخله الجنة دون عذاب ، وإن شاء أدخله النار و عذبه بقدر ذنوبه ، ثم إنه لا يخلد في النار كالكفار ، بل لا بد أن يخرج منها ويدخل الجنة.