تفسير سورة الماعون تكشف سورة الماعون عن أحوال المنافقين الذين يعلنون خلاف ما يبطنون، ففعلهم يكذب زعمهم، لأنهم يزعمون أنهم مسلمون، ويصلون إلا أن صلاتهم رياء وسمعة، وليس فيها أي خشوع أو توبة، وأفعالهم تدل على ما في قلوبهم من نفاق، فهم يغلظون مع الضعفاء من اليتامى والمساكين، ولا تنكسر قلوبهم لفعل الخير، والسورة نهت عن مساوئ الأخلاق، لأن فيها تفصيل للعديد من الأوجه، التي من بينها التكذيب بالدين، حق اليتيم، الحض على طعام المسكين، السهو عن الصلاة، الرياء وصفات المنافقين. معاني كلمات سورة الماعون ـ التكذيب بالدين، شرع الله سبحانه وتعالى الكثير من الأحكام التي يتعين بها على العبد أن يلتزم بها، ومنها صدق التوجه إلى الله سبحانه وتعالى، وتسليمه له وانقياده لمولاه، وعليه أن يلتزم بها ولا ينكرها، وذلك مصداقًا لقوله ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 23]. ـ حق اليتيم، حث الإسلام على رعاية حقوق اليتامى والمحافظة عليها؛ ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة:220]، وتُعد تلك الوصية هي الأفضل للصالحين، فاليتامى هم أمانة عند الله تعالى تعهد بحفظها وأوصى الصالحين بالمحافظة على تلك الوديعة.
مقالات متعلقة تاريخ الإضافة: 15/12/2011 ميلادي - 20/1/1433 هجري الزيارات: 20919 قراءة بلاغية في سورة الماعون (1) سـورة الماعـون (1) قال تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ [الماعون: 1 - 7]. سورة الماعون سورةٌ مكيَّة، انتَظَمتِ التَّنبيه على أمراضٍ اجتماعيَّة خطيرة، كثيرًا ما تحدُث ولا يتنبَّه الناس إليها، وقد تضمَّنت الحديث عن صِنفَيْن موجودَيْن في المجتمع الإنساني: المكذِّبين بالدِّين، والمرائين بأعْمالهم، والاثنان محلُّ مَذمَّةٍ، وموطن مَنقَصة، يلزَمُ المسلمَ غير المكذِّب بالدِّين الابتِعادُ عنهما، ولا بُدَّ من أنْ يتَخفَّف المجتمعُ المسلم بأسْره من هذين النَّمَطَيْن المخذِّلَيْن، والفريقين الساقطين، غير أنهما مصدرَا التخلُّف والرَّجعيَّة.
ـ الحض على طعام المسكين، لم يذم الله سبحانه وتعالى في تلك النقطة منع المنافق الطعام عن المسكين، ولكن ذم عدم الحض وحث الغير على فعل هذا الخير، كما قال في كتابه: ﴿ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ [الفجر: 18]. ـ السهو عن الصلاة، يتميز المنافق في صلاته بأنه لا يحرص أن يصليها في أول وقتها، وهو لا يخشع في أدائها وينتهي منها بسرعة، فلا يذكر الله إلا قليلًا، وكثيرًا ما يتكاسل عن إقامتها بالمسجد جماعة، وإذا صلاة جماعة فإنه يصليها رياء، يقول سبحانه: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 142، 143]. ـ الرياء، ضرب الله سبحانه وتعالى مثالين رائعين للرياء، فالأول أنه شبه عمل المرائي الذي يبتغي الشهرة والسمعة والثناء الحسن من الناس، ولا يبتغي بعمله وجه ربه سبحانه وتعالى، قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين ﴾ [البقرة: 264].
القول في تأويل قوله: ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون ( 113)) قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولا تميلوا ، أيها الناس ، إلى قول هؤلاء الذين كفروا بالله ، فتقبلوا منهم وترضوا أعمالهم ( فتمسكم النار) ، بفعلكم ذلك وما لكم من دون الله من ناصر ينصركم وولي يليكم ( ثم لا تنصرون) ، يقول: فإنكم إن فعلتم ذلك لم ينصركم الله ، بل يخليكم من نصرته ويسلط عليكم عدوكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 18602 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثنا معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله: ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) ، يعني: الركون إلى الشرك. 18603 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن يمان ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية: ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) ، يقول: لا ترضوا أعمالهم. [ ص: 501] 18604 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله: ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) ، يقول: لا ترضوا أعمالهم. يقول: "الركون" ، الرضى. 18605 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، في قوله: ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) ، قال: لا ترضوا أعمالهم ( فتمسكم النار).
وعلى الجملة، فإن لفظ (الركون) دال على النهي عن الميل إلى الذين جعلوا الظلم شعارهم، وتخطوا حدودهم، وجاوزا خط الاعتدال، وداسوا كرامة الحقوق، وجعلوا الدنيا أكبر همهم، ومبلغ علمهم، وتجردت قلوبهم من خشية الله. الوقفة الثانية: قوله تعالى: { الذين ظلموا} للمفسرين قولان مشهوران في تحديد المراد بـ { الذين ظلموا}، الأول: أن المراد أهل الشرك تحديداً، فتكون الآية خطاب للمؤمنين باجتناب أهل الشرك والبعد عنهم. الثاني: أن المراد أهل الظلم من المشركين والمسلمين، فيكون اللفظ عاماً، يشمل كل ظالم سواء أكان مؤمناً أم كافراً. وقد رجح القرطبي أن المراد من الآية أهل الظلم عموماً، فقال: وهذا هو الصحيح في معنى الآية؛ وأنها دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم؛ فإن صحبتهم كفر أو معصية؛ إذ الصحبة لا تكون إلا عن مودة. وقال الشوكاني: وهذا هو الظاهر من الآية - أي أن ظاهرها العموم -، ولو فرضنا أن سبب النزول هم المشركون، لكان الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وكلمة (ظلموا) في الآية ليست قاصرة على أولئك يظلمون الناس من منطلق وضعهم السياسي والسلطوي، بل يشمل أيضاً أولئك الذين يظلمون الناس من منطلق وضعهم الاقتصادي والمادي، حيث يضيقون على الناس في لقمة العيش، ويحاصرونهم في مطعمهم ومشربهم وملبسهم ومسكنهم ومتجرهم، ويشمل أيضاً أولئك الذين يظلمون الناس من منطلق وضعهم الاجتماعي، وذلك بالتفريق بينهم على أساس العرق واللون والمعتقد.