ولو لم يكن للصدق من آثار إلا سلامته من رجس الكذب، ومخالفة المروءة، والتشبه بالمنافقين! فضلاً عما يكسبه الصدق من عزة، وشجاعة، تورثه كرامة، وعزة نفس، وهيبةَ جناب، ومن تأمل في قصة الثلاثة الذين خلفوا أدرك حلاوة الصدق ومرارة الكذب ولو بعد حين. ومن تأمل في الآيات الواردة في مدح الصدق والثناء على أهله وجدَ عجبا عجاباً! ولو أخذتُ في سرد الآيات الواردة فيه سرداً فقط لانقضى وقت الحلقة قبل أن تنقضي الآيات، ولكن حسبنا أن نشير إلى جملة من الآثار التي دلّ عليها القرآن للصدق وأهله في الدنيا والآخرة: 1. فالصادق سائر على درب الأنبياء والرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ الذين أثنى الله عليهم في غير ما آية بالصدق في الوعد والحديث. 2. والصادق معانٌ ومنصورٌ، ويسخر الله له من يدافع عنه من حيث لا يتوقع، بل قد يكون المدافع خصماً من خصومه، تأمل في قول امرأة العزيز: {قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}[يوسف: 51]. أول موضوعات مسابقة روضة السعداء| مسابقة [ كونوا مع الصادقين ] ~ - مدونة لاكي. 3. والصادق يسير في طريق لاحب إلى الجنة، ألم يقل النبي ج: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا" أخرجه الشيخان(1)، وقد قال الله عز وجل ـ مبيناً صفات أهل الجنة ـ: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}[آل عمران: 17].
ولننظـر إلى هـذا الأدب الرفيع مِن آدابِ الإسـلام ، وهو [ الصِّــدق] ، ونُقارِن بينَه وبين خَصلَةٍ ذميمةٍ يَبغضُها الإسلامُ ، وهى [ الكَـذِب] ، ولنرى حالَ صاحبَيْها ومآلهما مِن خلال حديثِ نبيِّنا محمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (( إنَّ الصِّدقَ يهدي إلى البِرّ ، وإنَّ البِرَّ يهدي إلى الجنَّة ، وإنَّ الرجلَ ليَصدُق حتى يُكتَبَ عند اللهِ صِدِّيقًا ، وإنَّ الكَذِبَ يهدي إلى الفجور ، وإنَّ الفجورَ يهدي إلى النار ، وإنَّ الرجلَ ليكذِبَ حتى يُكتَبَ عند اللهِ كذَّابًا)) مُتَّفَقٌ عليه. فـ الكَـذِبُ يؤدِّي بصاحبِه إلى النار ، و الصِّـدقُ يقودُه إلى الجنَّة.. فمِن أىِّ الفريقين تُحِبِّين أنْ تكوني أختاه ؟ مِن أصحابِ الجنَّةِ أم مِن أصحابِ النار ؟ لا شَكَّ أنَّكِ تُريدين الجنَّة. إذًا ، فعليكِ ب الصِّـدق ، فهو مَنجاةٌ مِن النار ، ومَنجاةٌ مِن أمورٍ قد لا تُحمَد عُقباها في الدُّنيا ، وهو أحـدُ الطرقِ المُوصِّلة إلى الجنَّة ، جعلني اللهُ وإيَّاكِ مِن أهلِها.
انتهى، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. _______________ (1) البخاري ح ()، ومسلم ح (). (2) صحيح البخاري ح (؟)، وصحيح مسلم ح (74). (3) لسان الميزان 5/416. (4) تاريخ بغداد (6/382). (5) تاريخ بغداد (14/22) وفي النص خلل، صحح من تذكرة الحفاظ 2/478. (6) أقوالنا وأفعالنا (178).
والمعنى: إن هؤلاء الذين تاب الله عليهم ـ النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، والثلاثة الذين خلفوا ـ هم أئمة الصادقين، فاقتدوا بهم. وأنت ـ أيها المبارك ـ إذا تأملتَ مجيء هذه القاعدة القرآنية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} بعد هذه الآيات، أدركتَ أن الصدق أعمّ من أن يختصر في الصدق في الأقوال! بل هو الصدق في الأقوال والأفعال والأحوال، التي كان يتمثلها نبينا صلى الله عليه وسلم في حياته كلها، قبل البعثة وبعدها. ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم صادق اللهجة، عف اللسان، أميناً وفيّاً حافظاً للعهود قبل بعثته، عرف بالصادق الأمين، وكان ذلك سبباً في إسلام بعض عقلاء المشركين، الذين كان قائلهم يقول: لم يكن هذا الرجل يكذب على الناس أفتراه يكذب على الله؟! كثيرٌ من الناس حينما يسمع هذه القاعدة القرآنية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} لا ينصرف ذهنه إلا للصدق في الأقوال، وهذا في الحقيقة تقصير في فهم هذه القاعدة، وإلا لو تأمل الإنسان سياقها لعلم أنها تشمل جميع الأقوال والأفعال والأحوال! كما تقدم. يا أهل القرآن! كونوا مع الصادقين | صحيفة المسيرة. إن للصدق آثاراً حميدة، وعوائد جليلة; وهو دليل على رجحان العقل، وحسن السيرة، ونقاء السريرة.
[المجادلة: 7] وعندما يستحضر أن كلماته وخطراته، وحركاته وسكناته كلها محصية مكتوبة: { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]، { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار: 10-11]، فإن ذلك يقوده إلى رياض الصدق في الأقوال والأعمال والأحوال. 2 – الصدق والحياء: الحياء يحجب صاحبه عن كل ما هو مستقبح شرعًا وعرفًا وذوقًا، والمرء يستحيي أن يعرف بين الناس أنه كذاب، وهذا هو الذي حمل أبا سفيان -وهو يومئذ مشرك- أن يصدق هرقل وهو يسأله عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو سفيان: (فوالله لولا الحياء من أن يأثروا عليَّ كذبًا لكذبت عنه) ، أي: ينقلوا عليَّ الكذب لكذبت عليه. قال ابن حجر: (وفيه دليل على أنهم كانوا يستقبحون الكذب، إما بالأخذ عن الشرع السابق، أو بالعرف.. وقد ترك الكذب استحياء وأنفة من أن يتحدثوا بذلك بعد أن يرجعوا فيصير عند سامعي ذلك كذابًا). قلت: فالمسلم أولى بالحياء من ربه أن يسمعه يقول كذبًا، أو يطلع على عمل، أو حال هو فيه كاذب.
فلا بُدَّ إذًا مِن الصِّدق في النقل عن رَبِّنا تبارك وتعالى. أمَّا الكَـذِبُ على رسولِ اللهِ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – فيكونُ بوضع الأحاديثِ الباطِلةِ والمُنكَرة ونِسبتِها إليه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ، وهو برئٌ مِنها ، ولم تخرج مِن فمهِ الشريف. لذا كان المُحَدِّثون رحمهم الله – كـ يحيى بن مَعين و أحمد بن حنبل و البُخارىّ وغيرهم – يبحثون في أحوال الرُّواة ليعرفوا الثِّقَةَ مِن الكَذَّاب والوضَّاع للحديث ، وكانوا لا يأخذون الحديثَ إلاَّ مِن الصَّادقين ، فلو وجدوا الكَذِبَ مِن أحدهم ولو في أمرٍ يسيرٍ ابتعدوا عنه ، ولم يأمَنوا كَذِبَه على النبىِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ، وكانوا يتحرّون الدِّقَةَ في نقل الحديث ، فلا ينقلونه أو يكتبونه إلاَّ بعد التأكُّد مِن صِحَّتِه. وقد قال نبيُّنا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (( ومَن كَذَبَ علَىَّ مُتعمِّدًا فليتبوأ مَقعَدَه مِن النار)) رواه البُخارىّ. ونجـدُ الكَـذِبَ في أحاديثَ كثيرةٍ في فضائِل الأعمال ، فعلينا ألاَّ نعتمد عليها ، وألاَّ نستشهِدَ بها في كلامِنا ، حتى وإنْ كان غرضنا هِداية الناس ودعوتهم للخير ، بل علينا أنْ نَصدُقَ وألاَّ ننقِلَ إلاَّ النصوصَ والأخبارَ التي ثَبَتت صِحَّتُها وصِدقُها وبُعدُها عن الكَذِب.