فلما جاء النصارى حتى يدفنوه فقال لهم إنه كان رجل سوء فصلباه ورموا به في الطرقات ، وحينما حلت الوفاة لهذا الراهب قال له سلمان لمن توصي بي فدله على شخص أخر فهاجر من هذا إلى ذاك في رحلة طويلة حتى وصل إلى أخرهم وكان من أعبد الناس وأتقاهم فقال له وهو على فراش الموت بعد أن ظل معه مدة من الزمن إلى من توصي بي ، فقال له ما أجد أحدُ أوصي لك به إلا أنني أعلم أنه سيظهر في جزيرة العرب نبي وسيكون مهجره إلى منطقة فيها نخيل وأخذ يصف له يثرب. فباع سلمان الفارسي رضي الله عنه كل ما كان يمتلكه ويهاجر في سبيل البحث عن النبي صلّ الله عليه وسلم ، وهو في الطريق فإذا بالذين يمشي معه يسرقونه أي يأخذونه كرقيق ويبيعونه ، ويباع من هذا إلى ذاك حتى يشتريه يهودي من بني النضير ويأخذه إلى مدينة رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، وتمر الأيام وفي مقدم الرسول صلّ الله عليه وسلم حينما دخل إلى قباء فإذا بسلمان رضي الله عنه وقد صعد على النخل يريد أن يقطف بعض الثمر فإذا بابن عم اليهودي يأتي ويقول له لقد جاء محمد.
قلت: «وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي؟»، قال: «خذها فإن الله سيؤدي بها عنك». فأخذتها فوزنت لهم منها أربعين أوقية، وأوفيتهم حقهم وعتقت، فشهدت مع رسول الله الخندق حُرًّا، ثم لم يفتني معه مشهد. » [ رواه الإمام أحمد في المسند]
ثم نزل به أمر الله. فلما حُضر قلت له: يا فلان! إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إلى فلان ، ثم أوصى بي إليك ، فإلى من توصي بي ؟ وبم تأمرني ؟ قال: أي بني! والله ؛ ما أعلم أصبح أحد على مثل ما كنا عليه من الناس آمرك أن تأتيه. ولكنه قد أظل زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم ، يخرج بأرض العرب ، مهاجره إلى بين حرتين ، بينهما نخل ، به علامات لا تخفى يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة ، بين كتفيه خاتم النبوة ، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فأفعل. قصة اسلام الصحابي سلمان الفارسي. قال: ثم مات وغيب ، ومكثت بـ ( عمورية) ما شاء الله أن أمكث. ثم مر بي نفر من ( كلب) تجار. فقلت لهم: احملوني إلى أرض العرب ، وأعطيكم بقراتي هذه ، وغنيمتي هذه. قالوا: نعم. فأعطيتموها وحملوني معهم ، حتى إذا بلغوا وادي القرى ظلموني ؛ فباعوني من رجل يهودي عبدا ، فكنت عنده ، ورأيت النخل ، فرجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ، ولم يحق في نفسي. فبينا أنا عنده ، إذ قدم عليه ابن عم له من بني قريظة من ( المدينة) فابتاعني منه ، فاحتملني إلى المدينة فوالله ما هو إلا أن رأيتها ، فعرفتها بصفة صاحبي لها ، فأقمت بها. وبُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقام بـ ( مكة) ما أقام ، ولا أسمع له بذكر مما أنا فيه من شغل الرق ، ثم هاجر إلى ( المدينة).