ومادام أن الموقف يقتضي أن ندين ما يتعرض له الأقباط في مصر من طرف المتزمتين الذين لم يعد واضحاً لصالح من يعملون وإلى أي خريطة تفتيتية يهدفون، فإنه من الواجب التذكير بموقف من المواقف المشرفة للكنسية القبطية في حفظ وحدة مصر وأمنها والوفاء للمسلمين أنه في زمن انتصرات محمد علي باشا والامتيازات والحمايات الأجنبية التي حظيت بها بعض الطوائف غير المسلمة في الدولة العباسية، سعت روسيا القيصرية في إطار بحثها عن مواطئ نفوذ لها في الشرق الأوسط لذا رأت أن افضل مطية لها هم الأقباط الذي ينتمون للمذهب الأرثوذكسي الذي تحميه وتشرف عليه روسيا، فأرسل القيصر أميراً يعرض على البطريرك قبول حماية قيصر الروس لشعبه. فذهب هذا المندوب الروسي إلى الدار البطريركية وعرض على البابا بطرس الجاولي (1809 – 1852) أن تتولى روسيا مسؤولية حماية الاقباط في مصر، فكان رد البابا رهيبا على الأمير فقال له: وهل ملككم يحيا إلى الأبد؟ قال له: لا يا سيدي البابا بل هو إنسان يموت كما يموت سائر البشر، فأجابه: "إذن أنتم تعيشون تحت رعاية ملك يموت وأما نحن فتحت رعاية ملك لا يموت وهو الله". حينئذ لم يسع المندوب الروسي إلا أن ينطرح تحت قدميه واخذ يقبلها وتركه وهو يشعر بعظمة هذا الرجل البسيط وقال " لم تدهشني عظمة الأهرام ولا ارتفاع المسلات، ولم يهزني كل ما في هذا القطر من العجائب بقدر ما هزني ما رأيته في هذا البطريرك القبطي.
فيما عدى هذه الثورة المبكرة جدا في تاريخ المسلمين مع الأقباط تمتلئ صفحات العلاقة بين الطرفين بمواقف تنمّ عن ترابط وتآخي شديدين بين أتباع الديانتين السماويتين، ونورد هنا جملة من المواقف التاريخية المتبادلة بين المسلمين و الأقباط التي يشكك فيها الدواعش و التكفير والعنف هذه الأيام ويستهدفون باستهدافهم الأقباط في كنائسهم من حيث لا يدروا روح الإسلام وتقاليده التي كرسها منذ أربعة قرناً في المناطق التي دخلها.
ويبقى موقف الكنسية القبطية من الكيان الصهيوني ناصعاً ومنادياً بوفاء الأقباط لقضايا الأمة العربية والإسلامية فبعد أن وقعت اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع اسرائيل رفض البابا شنودة أن يرافق الرئيس المصري إلى اسرائيل كما رفض أي مبادرة تطبيعية مع الكيان الإسرائيلي وهو الأمر الذى دفعت الكنيسة ضريبته، ليس فقط فى الاستيلاء على دير «دير السلطان» القبطي فى القدس رغم حصول الكنيسة القبطية على حكم محكمة من سلطة الاحتلال لتسليمه للكنسية القبطية بدلاً من إعطائه لكنيسة الحبشة، بل أيضا فى طبيعة السياسة الإسرائيلية المعادية للكنيسة القبطية نتيجة لموقفها بمقاطعة إسرائيل. هذه المواقف النبيلة المتبادلة بين المسلمين والأقباط في مصر تنزع أي شرعية عن أي استهداف للأقباط في مصر أو أي استهداف لأي أقلية أخرى تعيش بين المسلمين، فرحمة وتسامح الإسلام التي كفلتهم أربعة عشر قرناً لن تضيق بهم في القرن الواحد والعشرين الذين باتت حقوق الإنسان فيه هي الروح المحركة له. *الدكتور طارق العجال هو استاذ للتاريخ بجامعة عفت بمدينة جدة.
وحين سمع محمد علي بالخبر سر غاية السرور وذهب إليه ليهنئه على موقفة وما أبداه من وطنية ووفاء، فقال له البابا: (لا تشكر من قام بواجب عليه نحو بلاده) فقال له محمد علي والدموع في عينية (لقد رفعت اليوم شأنك وشأن بلادك فليكن لك مقام محمد علي في مصر، ولتكن مركبة معدة لركبك كمركبته). هذه العلاقة الطيبة لمحمد علي مع المسيحيين لم يحافظ عليها حفيده الخديوي عباس حلمي الذي كان على خلاف دائم مع الأقباط لأسباب شخصية وقرر يوماً أن ينفي كل الأقباط إلى السودان فاستدعى شيخ الأزهر الباجوري يستفتيه في ذلك فلما سمع شيخ الأزهر طلبه اعتدل و قال له صائحاً في وجهه: "مه إن هذا لا يكون لك يا خديوي، إن هذا حرام فإنهم أصحاب وطن وإن لهم عهداً في أعناقنا" وأفشل بذلك شيخ الأزهر مخطط الخديوي عباس، واثبت الأزهر كرمجعية دينية أنه الحصن الحصين أمام أي انتهاك لأعراف الإسلام ومبادئه فيما يتعلق بأهل الذمة والمخالفين من أصحاب الديانات الأخرى.
رواه البخاري (5242) ومسلم (1654). قال الإمام أبو حيان رحمه الله: " نَقَلَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِهِ الْفِتْنَةِ وَإِلْقَاءِ الْجَسَدِ أَقْوَالًا يَجِبُ بَرَاءَةُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْهَا، يُوقَفُ عَلَيْهَا فِي كُتُبِهِمْ، وَهِيَ مِمَّا لا يحل نقلها، وهِيَ مِنْ أَوْضَاعِ الْيَهُودِ وَالزَّنَادِقَةِ. وَلَمْ يُبَيِّنِ اللَّهُ الْفِتْنَةَ مَا هِيَ، وَلَا الْجَسَدَ الَّذِي أَلْقَاهُ عَلَى كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ. وَأَقْرَبُ مَا قِيلَ فِيهِ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِتْنَةِ كَوْنُهُ لَمْ يَسْتَثْنِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَالَ: «لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةٍ.. ". ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب – كنوز التراث الإسلامي. انتهى، من "البحر المحيط" (9/155). وقال العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: " فإذا علمت هذا فاعلم أن هذا الحديث الصحيح بين معنى قوله تعالى: ( ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا) ، الآية. وأن فتنة سليمان كانت بسبب تركه قوله «إن شاء الله». وأنه لم يلد من تلك النساء إلا واحدة نصف إنسان. وأن ذلك الجسد ، الذي هو نصف إنسان: هو الذي ألقي على كرسيه بعد موته ، في قوله تعالى: وألقينا على كرسيه جسدا الآية. فما يذكره المفسرون في تفسير قوله تعالى: ( ولقد فتنا سليمان) الآية، من قصة الشيطان الذي أخذ الخاتم ، وجلس على كرسي سليمان، وطرد سليمان عن ملكه; حتى وجد الخاتم في بطن السمكة التي أعطاها له من كان يعمل عنده بأجر ، مطرودا عن ملكه، إلى آخر القصة = لا يخفى أنه باطل لا أصل له، وأنه لا يليق بمقام النبوة؛ فهي من الإسرائيليات التي لا يخفى أنها باطلة.
في وصف العجل ( التمثال) الذي صنعه ( السّامِرِيّ) من الذهب لبني إسرائيل، ودعاهم إلى عبادته، مستغلاً غَيبة موسى عليه السلام. قال تعالى: { واتَّخذ قومُ مُوسى من بعده من حُلِيِّهِم عِجلاً جَسَداً له خوارٌ} [ الاعراف: 148] وقال تعالى: { فأخرج لهم عِجلاً جَسَداً له خوارٌ فقالوا هذا إلاهكم وإلاه موسى فَنَسِىَ ألا يرون ألا يرجع إليهم قولاً} [ طه: 88] ووردت كلمة { جسد}: في بيان أنَّ الأنبياء كانوا رجالاً أحياء، ذَوي أجسام متحركة، ولم يكونوا { أجساداً} هامدة. قال تعالى: { وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نُّوحي إليهم فسئلوا أهل الذِّكرِ إن كُنتُم لا تَعلَمُون وما جَعَلناهم جَسَداً لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين}. ولقد فتنا سليمان والقينا. [ الانبياء] و أن كلمة { جسد} في السياق القرآني وردت صفة للجماد، وللميت، ونُفِيَت عن النبيِّ الحيِّ المتحرك. وبهذا نعرف الفرق بين الجسم والجسد في القرآن. (فالجسم) يُطلقُ على الذي فيه حياةٌ وروحٌ وحركة.
وقوله ( ثُمَّ أَنَابَ) سليمان, فرجع إلى ملكه من بعد ما زال عنه ملكه فذهب. * ذكر من قال ذلك: حُدثت عن المحاربي, عن عبد الرحمن, عن جُوَيبر, عن الضحاك, في قوله ( ثُمَّ أَنَابَ) قال: دخل سليمان على امرأة تبيع السمك, فاشترى منها سمكة, فشقّ بطنها, فوجد خاتمه, فجعل لا يمر على شجر ولا حجر ولا شيء إلا سجد له, حتى أتى مُلكه وأهله, فذلك قوله; ( ثُمَّ أَنَابَ) يقول: ثم رجع. حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( ثُمَّ أَنَابَ) وأقبل, يعني سليمان.