وهذا الاسم لا علاقة له بعين عذاري المعروفه في البحرين, فقد ظل كمعظم تسميات الاندلس صناعة أموية منقوله بحنين عارم من دمشق الى تلك الاصقاع. قصة ولادة وابن زيدون اضحى التنائي. وما ان يواجهك السور الثلاثي السميك المهدم بالزهراء حتى تترحم على ارواح الذين يكرهون الهدم ويحبون البناء وتتعجب من اولئك الذين يكررون الخطأ التاريخي ذاته فيحصنون ويدعمون ويتمترسون ويتناسون ان المدن المحصنه جيدا تؤخذ دائما من داخلها وان اسوار العدل والمساواة والحرية هي التي تحمي الدول من الانهيار والمدن من السقوط, لكن على من تقرأ مزاميرك يا فينيقي ويا عربي ويا شامي ويا مسلم بعد ان انفض السامر ورحل البداة من حيث اتوا بعد ان خلعوا اوتاد الخيام. واعجب ما في الزهراء ان مهندسيها المعماريين كانوا خبراء سياسة من الدرجه الاولى. فقد جعلوا باب دار الوزراء باتجاه اشبيليه وبوابه قصر الجيش باتجاه قرطبه, فصار الوزراء ومنهم ابن زيدون يفرون باتجاه بني عباد وصار الجيش يتقهقر باتجاه قرطبه بعد كل غزوة ويترك الزهراء لقدرها كسبية حسناء يقع في حبها كل من تدخل في حوزته من غزاتها او تقع عينه عليها من عابريها. ويبدو ان أول حديقة حيوان عربية تقام في تلك البقاع كانت الى الشرق من بوابة الجيش فقد اقام الناصر في الزهراء على ذمة ابن خلدون في تاريخه "محلات للوحش فسيحة الفناء متباعدة السياج ومسارح للطير مظلله بالشباك".
شهرة ولادة وحب كبار رجال الدولة والشعر لها فاقت شهرة والدها الخليفة ولادة بنت الخليفة الأندلسي المستكفي بالله بن عبد الرحمن الناصر لدين الله، ووالدتها جارية إسبانية جميلة تدعى «سكرى»، أورثت ابنتها «ولادة» جمالها الإسباني الأوروبي، فأخذت عنها بشرتها البيضاء الحليبية، وشعرها الأصهب الساحر، وعينيها الزرقاوين كلون البحر، وجرأتها التي جعلتها تخالط كبار رجال الدولة والشعراء في عصرها؛ لتناقشهم وتحاججهم وتنافسهم في الإبداع وقرض الشعر وجمال إلقائه دون منافسة تذكر منهم.
فمن المستحيل أن تقول ذلك سيدة عفيفة بمقامها الرفيع وأشرف بيوت الخلافة هذا الكلام الوضيع! قصة ولادة وابن زيدون وولادة. وقد ردت على هذين البيتين اللذين نُسِبَا لها ودافعت عن شرفها: إني وإن نظر الأنام لبهجتي كظباء مكة صيدهن حرام يُحسبن من لين الكلام زوانيا ويصدهن عن الخنا الإسلام لقد أبدعت ولادة في حبها لابن زيدون وغيرتها عليه حين قالت: أغار عليك من نفسي ومني ومنك ومن زمانك والمكان ولو أني خبأتك في عيوني إلى يوم القيامة ما كفاني روعة في الشعر والمعنى والموقف فأي حب بعد هذا الحب يُحكى ويروى لأميرة أحبت ولم تجد حبيبها وفياً ومخلصاً لهذا الحب ونكث عهود الوفاء! ؟ِ ذاع صيت ولادة وارتباطها العاطفي بالوزير ابن زيدون فلا يذكر أحدهما إلا ويذكر الآخر كصنوان لا يمكن التفريق بينهما عكس ما كان واقعا حيث قصة حبهما لم تكتمل بل كانت مليئة بالأحداث التي نغصت على الحبيبين صفاء حبهما وكدرت عليهما قصة حب كانت من الممكن أن تكون مثالا يضرب في العاطفة الجياشة المتدفقة دون حدود. الحديث عن ولادة لا يكاد ينتهي فسجلها الأدبي والتاريخي مليء بالأحداث والقصائد والمواقف الجميلة والمؤلمة وحتى الملفقة من جواريها اللواتي كُن يغرن منها ومن شعراء تجاهلت حبهم وكسرت قلوبهم.
12/12 13:02 في الدولة الأموية الأندلسية، كانت العاشقة، أميرة أصيلة عربية، يتسابق في شخصها الجمال الأوروبي بألوانه القزحية مع البسالة والبطولة العربية، ويلمع بعينيها، ذكاء وثقافة هجينة «عربية- أوروبية»، هي «ولادة»، الأميرة الشاعرة، ابنة «المستكفي بالله» الخليفة الأموي الأندلسي، أما العاشق فكان فارسًا وسيمًا شاعرًا وزيرًا عربيًا أصيلًا، هو «ابن زيدون». «ولادة» كانت كالشمس الساطعة ذات الأشعة الحارقة قُتِل والدها المستكفي بالله- الذي كان سيئ السمعة ضعيفًا- وكانت آنداك شابة ذات ستة عشرة ربيعًا، نشأت مختلفة عنه، وعلى النقيض منه تمامًا، شبَّت قارئة مطلعة شديدة الذكاء والبهاء، لكنها ورثت عن أبيها، حب حياة البذخ والتلذذ بالحياة وأطيابها، فأقامت الاحتفالات و التجمعات، وجعلت لها صالونًا أدبيًّا منتظمًا، يضم أشهر فنانين وكتاب وشعراء عصرها، وهنا بين تلك المجالس، كان يجلس حبها المتجسد في الشاعر الوزير «ابن زيدون». بدأ العشق بالسجالات الشعرية والمباريات الفكرية بينهما، كان حبهما مختلفًا، حب يحكمه اللهفة والشغف والشاعرية المفرطة والتنافس والتحدي، كل منهما يسجل أهدافًا على الآخر، وينتظر ردة فعل حبيبه، وكحال كل العشاق دائمًا يأتي الكدر متخفيًا داخل عباءة القدر.