فقال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس". فأعادت. فقال: "إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس". وكان أبو بكر يقول: ابكوا وإن لم تبكوا فتباكوا، تكلفوا ذلك فإن في ذلك النجاة لكم. وهذا الذي قاله أبو بكر هو وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته كما روى ذلك ابن ماجه عن سعد بن أبي وقاص بسند جيد: " اتلوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا ". وليس معنى ذلك أن يظهر الإنسان البكاء رئاء الناس ليحسبوه خاشعًا وليس هو كذلك، وإنما المراد حث النفس وتعويدها على البكاء حتى يصير عادة وسجية لها، وكما جاء في الحديث: "إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم". فكذلك إنما البكاء بالتباكي والتباكي يستجر البكاء، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: " عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله "[رواه الترمذي بسند حسن عن ابن عباس]. وقال: " لا يلج النار أحد بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع "[رواه الترمذي وأحمد بسند صحيح عن أبي هريرة]. وكما كان هذا حال أبي بكر كذلك كان حال عمر بن الخطاب الخليفة الراشد، فقد ورد عنه أنه كان يكثر من قراءة سورة يوسف في العشاء والفجر، وكان إذا قرأها يبكي حتى يسيل دمعه على ترقوته، وقرأها يومًا حتى بلغ قوله تعالى على لسان يعقوب: { إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}[يوسف:86].
وأوضح عفيفي، أن المقصود بكلمة (رابطوا) في قول الله عز وجل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"، أي الحراسة في سبيل الله عز وجل، وهي أمٌر واجٌب ينبغي أن نقوم بها لنحافظ على البلاد والعباد، مؤكدًا أن الحراسة في سبيل الله عز وجل لها فضل عظيم عند الله رب العالمين، مستشهدًا بما أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم، حينما بين أن الحراسة تفضل ليلة القدر، عن ابن عمر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الصحابة الكرام فقال لهم ألا أدلكم على ليلة هي خير من ليلة القدر قالوا بلى يا رسول الله.. قال الحراسة في سبيل الله. وقال صلى الله عليه وسلم حارس حرس في أرض خوف لعله يرجع إلى أهله، قال العلماء حارس حرس في أرض خوف يعنى يخاف على نفسه وعلى حياته أيضًا. وقال عفيفي، إن من فضل الحراسة في سبيل الله أنها تفضل الدنيا كلها مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: رباط في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، ولغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما عليها، مضيفًا: وأيضًا من فضل الحراسة كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنها تبعد الإنسان عن النار فقد قال صلى الله عليه وسلم عينان لا تمسهم النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله.. فمن بات يحرس في سبيل الله ابتغاء مرضاة الله عز وجل فإن الله تعالى حرمه على النار وأبعده عن النار.
وقال أبو معاوية الأسود لأحمد بن سهل: (يا أبا علي من أكثر لله الصدق نَدِيت عيناه، وأجابته إذا دعاهما). يا طالب العلم ههنا وهــــنا...... ومعدن العلم بين جنـبيك إن كنت تبغي جنان الخلد تعمرها...... فأسبل الدمـع على خديك وقم إذا قــــام كل مجتـهد...... وادع لكيما يقـال لبيك وقال الألبيري - رحمه الله – ناصحا ولده: ولا تضحكْ مع السفهاءِ يومـاً...... فإنّك سوف تبكي إن ضحكت! ومَن لك بالسرور وأنتَ رهنٌ؟...... وما تدري أتُفْدى ؟ أم غُلِلْت ؟! ولو بكت الدّما عيناك خوفاً!...... لذنبـك لم أقل لك قـد أمِنْت! ومَن لك بالأمان وأنتَ عبـدٌ...... أُمِرْتَ فما ائتمرتَ ولا أطَعْت! اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع، وعين لا تدمع... آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.