قالوا: وعلى الجمع فالمراد أجناس الكفر. والآية التي قيدت الحكم فترد إليها هذه المطلقات كلها قوله تعالى: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}. واحتجوا بما رواه مسلم وغيره عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة) فقال له رجل: يا رسول الله، وإن كان شيئا يسيرا ؟ قال: (وإن كان قضيبا من أراك). فقد جاء الوعيد الشديد على اليسير كما جاء على الكثير. إسلام ويب - زاد المسير - تفسير سورة النساء - تفسير قوله تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم- الجزء رقم2. وقال ابن عباس: الكبيرة كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب. وقال ابن مسعود: الكبائر ما نهى الله عنه في هذه السورة إلى ثلاث وثلاثين آية؛ وتصديقه قوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه}. وقال طاوس: قيل لابن عباس الكبائر سبع ؟ قال: هي إلى السبعين أقرب. وقال سعيد بن جبير: قال رجل لابن عباس الكبائر سبع ؟ قال: هي إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبع؛ غير أنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار. وروي عن ابن مسعود أنه قال: الكبائر أربعة: اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله، والشرك بالله؛ دل عليها القرآن. وروي عن ابن عمر: هي تسع: قتل النفس، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، ورمي المحصنة، وشهادة الزور، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، والسحر، والإلحاد في البيت الحرام.
ومن الكبائر عند العلماء: القمار والسرقة وشرب الخمر وسب السلف الصالح وعدول الحكام عن الحق واتباع الهوى واليمين الفاجرة والقنوط من رحمة الله وسب الإنسان أبويه - بأن يسب رجلا فيسب ذلك الرجل أبويه - والسعي في الأرض فسادا - ؛ إلى غير ذلك مما يكثر تعداده حسب ما جاء بيانها في القرآن ، وفي أحاديث خرجها الأئمة ، وقد ذكر مسلم في كتاب الإيمان منها جملة وافرة. وقد اختلف الناس في تعدادها وحصرها لاختلاف الآثار فيها ؛ والذي أقول: إنه قد جاءت فيها أحاديث كثيرة صحاح وحسان لم يقصد بها الحصر ، ولكن بعضها أكبر من بعض بالنسبة إلى ما يكثر ضرره ، فالشرك أكبر ذلك كله ، وهو الذي لا يغفر لنص الله تعالى على ذلك ، وبعده اليأس من رحمة الله ؛ لأن فيه تكذيب القرآن ؛ إذ يقول وقوله الحق: ورحمتي وسعت كل شيء وهو يقول: لا يغفر له ؛ فقد حجر واسعا. تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٤ - الصفحة ٣٢٣. هذا إذا كان معتقدا لذلك ؛ ولذلك قال الله تعالى: إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. وبعده القنوط ؛ قال الله تعالى: ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون. وبعده الأمن من مكر الله فيسترسل في المعاصي ويتكل على رحمة الله من غير عمل ؛ قال الله تعالى: أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.
إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما قوله تعالى: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه اجتناب الشيء: تركه جانبا. وفي الكبائر أحد عشر قولا. 87 - 401 - فوائد الآية ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه...) بيان تفاضل الناس بالإيمان - ابن عثيمين - YouTube. أحدها: أنها سبع ، فروى البخاري ، ومسلم في "الصحيحين" من حديث [ ص: 63] أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات". وقد روي هذا الحديث من طريق آخر عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الكبائر سبع ، الإشراك بالله أولهن ، وقتل النفس بغير حقها ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم بدارا أن يكبروا ، والفرار من الزحف ، ورمي المحصنات ، وانقلاب إلى أعرابية بعد هجرة". وروي عن علي رضي الله عنه قال: هي سبع ، فعد هذه. [ ص: 64] وروي عن عطاء أنه قال: هي سبع ، وعد هذه ، إلا أنه ذكر مكان الإشراك والتعرب شهادة الزور وعقوق الوالدين. والثاني: أنها تسع ، روى عبيد بن عمير ، عن أبيه ، وكان من الصحابة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل ما الكبائر؟ فقال: "تسع ، أعظمهن الإشراك بالله ، وقتل نفس المؤمن بغير حق ، والفرار من الزحف ، وأكل مال اليتيم ، والسحر ، وأكل الربا ، وقذف المحصنة ، وعقوق الوالدين المسلمين ، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا".
المسألة الثالثة: احتج أبو القاسم الكعبي بهذه الآية على القطع بوعيد أصحاب الكبائر ، فقال: قد كشف الله بهذه الآية الشبهة في الوعيد ؛ لأنه تعالى بعد أن قدم ذكر الكبائر ، بين أن من اجتنبها يكفر عنه سيئاته ، وهذا يدل على أنهم إذا لم يجتنبوها فلا تكفر ، ولو جاز أن يغفر تعالى لهم الكبائر والصغائر من غير توبة لم يصح هذا الكلام. وأجاب أصحابنا عنه من وجوه: الأول: إنكم إما أن تستدلوا بهذه الآية من حيث إنه تعالى لما ذكر أن عند اجتناب الكبائر يكفر السيئات ، وجب أن عند عدم اجتناب الكبائر لا يكفرها ؛ لأن تخصيص الشيء بالذكر يدل على نفي الحكم عما عداه ، وهذا باطل ؛ لأن عند المعتزلة هذا الأصل باطل ، وعندنا أنه دلالة ظنية ضعيفة ، وإما أن تستدلوا به من حيث أن المعلق بكلمة " إن " على الشيء عدم عند عدم ذلك الشيء ، وهذا أيضا ضعيف ، ويدل عليه آيات: إحداها: قوله: ( واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون) [ البقرة: 172] فالشكر واجب سواء عبد الله أو لم يعبد. وثانيها: قوله تعالى: ( فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته) [ البقرة: 283] وأداء الأمانة واجب سواء ائتمنه أو لم يفعل ذلك. وثالثها: ( فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) [ البقرة: 282] والاستشهاد بالرجل والمرأتين جائز سواء حصل الرجلان أو لم يحصلا.
الصور البلاغية و المعاني الإعرابية للآية 31 - سورة النساء ﴿ تفسير التحرير و التنوير - الطاهر ابن عاشور ﴾ اعتراض ناسب ذكره بعد ذكر ذنبين كبيرين: وهما قتل النفس ، وأكل المال بالباطل ، على عادة القرآن في التفنّن من أسلوب إلى أسلوب ، وفي انتهاز الفرص في إلقاء التشريع عقب المواعظ وعكسه. وقد دلّت إضافة { كبائر} إلى { ما تنهون عنه} على أنّ المنهيات قسمان: كبائر ، ودونها؛ وهي التي تسمّى الصغائر ، وصفا بطريق المقابلة ، وقد سمّيت هنا سيّئات. ووعد بأنّه يغفر السيّئات للذين يجتنبون كبائر المنهيات ، وقال في آية النجم ( 32) { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللّمم} فسمّى الكبائر فواحشَ وسمّى مقابلها اللَّمم ، فثبت بذلك أنّ المعاصي عند الله قسمان: معاص كبيرة فاحشة ، ومعاص دون ذلك يكثر أن يُلمّ المؤمن بها ، ولذلك اختلف السلف في تعيين الكبائر. فعن علي: هي سبع الإشراك بالله ، وقتل النفس ، وقذف المحصنات ، وأكل مال اليتيم ، والفرار يوم الزحف ، والتعرّب بعد الهجرة. واستدلّ لجميعها بما في القرآن من أدلّة جازِمِ النهي عنها. وفي حديث البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم « اتّقوا السبع الموبقات... » فذكر التي ذكرها عليّ إلاّ أنّه جعل السحر عوض التعرّب.