فقال رحمه الله: فإن قيل: فقد قال الله تعالى: ( وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) وقال في الآية الأخرى: ( وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) فأمرهم بالاستعفاف إلى وقت الغنى وأمر بتزويج أولئك مع الفقر وأخبر أنه تعالى يغنيهم ، فما محمل كل من الآيتين؟ فالجواب: أن قوله: ( وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) في حق الأحرار ، أمرهم الله تعالى أن يستعفوا حتى يغنيهم الله من فضله ؛ فإنهم إن تزوجوا مع الفقر التزموا حقوقا لم يقدروا عليها وليس لهم من يقوم بها عنهم. وأما قوله: ( وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) فإنه سبحانه أمرهم فيها أن يُنكحوا الأيامى وهن النساء اللواتي لا أزواج لهن ، هذا هو المشهور من لفظ الأيم عند الإطلاق وإن استعمل في حق الرجل بالتقييد ، مع أن العزب عند الإطلاق للرجل, وإن استعمل في حق المرأة ، ثم أمرهم سبحانه أن يزوجوا عبيدهم وإماءهم إذا صلحوا للنكاح. فالآية الأولى في حكم تزوجهم لأنفسهم, والثانية في حكم تزويجهم لغيرهم. الباقيات الصالحات لتثبيت نهايات الآيات، الإصدار الحادي والأربعون.. وقوله في هذا القسم: ( إن يكونوا فقراء) يعم الأنواع الثلاثة التي ذكرت فيه ، فإن الأيم تستغني بنفقة زوجها وكذلك الأمة ، وأما العبد فإنه لما كان لا مال له وكان ماله لسيده فهو فقير ما دام رقيقا ، فلا يمكن أن يجعل لنكاحه غاية وهي غناه ما دام عبدا, بل غناه إنما يكون إذا عتق واستغنى بهذا العتق ، والحاجة تدعوه إلى النكاح في الرق ، فأمر سبحانه بإنكاحه وأخبر أنه يغنيه من فضله: إما بكسبه وإما بإنفاق سيده عليه وعلى امرأته ، فلم يمكن أن ينتظر بنكاحه الغنى الذي ينتظر بنكاح الحر ، والله أعلم" انتهى.
رسم القرآن الكريم للمسلم صورة أخلاقية وسلوكية مثالية، وبنى شخصيته على قيم وأخلاقيات رفيعة، حتى يحظى برضا خالقه، وثقة كل المتعاملين معه، فتستقيم حياته، ويؤدي رسالته، ويسهم بفاعلية في بناء ونهضة مجتمعه، ويواجه بقوة وصلابة كل التجاوزات الأخلاقية عملا بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والقرآن الكريم في بنائه الأخلاقي للإنسان جاء بكل ما هو راق ومتحضر، وسما بسلوكه فوق كل الصغائر، ورسم له حياة راقية تغلفها المعاني الإنسانية الرفيعة ليكون إنساناً سوياً، قادراً على التعايش والتعاون مع كل المحيطين به، مترفعا عن الصغائر، متجنبا للرذائل، مجسداً صورة زاهية لدينه، ملتزما في سلوكه وأخلاقه وتعاملاته مع الناس جميعاً بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه خالقه "وإنك لعلى خلق عظيم". كل من يتأمل بحر القرآن الواسع ومنظومته الأخلاقية يجد سياقاً قرآنياً يبرز كل معاني العفة التي تجسد في المسلم كل ما هو شريف وأخلاقي لينأى بنفسه عما يمس شرفه، أو يمس أعراض الآخرين، أو يسيء إلى سمعتهم، وعندما يلتزم أفراد المجتمع الإنساني بهذه الأخلاق الفاضلة فإن مجتمعهم يتطهر من الرذائل والفواحش التي تسيء للأخلاق وتمس الأعراض وتدنس الشرف.
لعلهم يتفكَرون. واللهُ بكلِ شيءٍ عليم. وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ 1 point شديدُ العِقاب. تفسير قوله تعالى وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا... - إسلام ويب - مركز الفتوى. عزيزٌ ذو انتقام. أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ 1 point أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ 1 point لعلكم تتفكَرون. إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار. إن في ذلك لآياتٍ لقومٍ يعقِلون. وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ 1 point على كلِ شيءٍ قدير.
والثاني كون المعنى قاصرا على من له حالان، حالة غنى بماله، وحالة عدم، فيخرج العبيد والإماء ومن إنكاحه على وليه، كما ذكرنا. حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وعد للمستعفف أن الله سيغنيه وييسر له أمره، وأمر له بانتظار الفرج، لئلا يشق عليه ما هو فيه. والله أعلم.
وكذا قال الثوري ، وأبو حنيفة ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغيرهم. واختار ابن جرير قول الوجوب لظاهر الآية. وقوله: ( إن علمتم فيهم خيرا) ، قال بعضهم: أمانة. وقال بعضهم: صدقا. [ وقال بعضهم: مالا] وقال بعضهم: حيلة وكسبا. وروى أبو داود في كتاب المراسيل ، عن يحيى بن أبي كثير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) قال: " إن علمتم فيهم حرفة ، ولا ترسلوهم كلا على الناس ". وقوله: ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) اختلف المفسرون فيه ، فقال قائلون: معناه اطرحوا لهم من الكتابة بعضها ، ثم قال بعضهم: مقدار الربع. وقيل: الثلث. وقيل: النصف. وقيل: جزء من الكتابة من غير واحد. وقال آخرون: بل المراد من قوله: ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) هو النصيب الذي فرض الله لهم من أموال الزكوات. وهذا قول الحسن ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وأبيه ، ومقاتل بن حيان. واختاره ابن جرير. وقال إبراهيم النخعي في قوله: ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) قال: حث الناس عليه مولاه وغيره. وكذلك قال بريدة بن الحصيب الأسلمي ، وقتادة. وقال ابن عباس: أمر الله المؤمنين أن يعينوا في الرقاب. وقد تقدم في الحديث ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ثلاثة حق على الله عونهم ": فذكر منهم المكاتب يريد الأداء ، والقول الأول أشهر.