جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة التحاضير الحديثة ©2022
قلت: ونعم الله جل وعز: آياته الدالة على توحيده. والعرب تقول للزارع: كافر لأنه يكفر البذر المبذور في الأرض بتراب الأرض التي أثارها ثم أمرَّ عليها مالَقَه، ومنه قول الله عز وجل: كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفارَ نَبَاتُهُ [الحديد:20] أي أعجب الزُّراع نباته مع علمهم به فهو غاية ما يستحسن، والغيث هاهنا: المطر، والله أعلم) (4). والكفر شرعا: ضد الإيمان، فيكون قولا وعملا واعتقادا وتركا، كما أن الإيمان قول وعمل واعتقاد. تعريف الايمان عند اهل السنه والجماعه وصفاتهم. وهذا مما اتفق عليه أهل السنة والجماعة، خلافا لمن حصر الكفر في التكذيب أو الجحود بالقلب أو بالقلب واللسان، ونفى أن يكون بالعمل أو بالترك. قال شيخ الإسلام: الكفر عدم الإيمان بالله ورسوله، سواء كان معه تكذيب أو لم يكن معه تكذيب، بل شك وريب أو إعراض عن هذا حسدا أو كبرا أو اتباعا لبعض الأهواء الصارفة عن اتباع الرسالة (5). وقال ابن حزم: وهو في الدين صفة من جحد شيئا مما افترض الله تعالى الإيمان به بعد قيام الحجة عليه، ببلوغ الحق إليه، بقلبه دون لسانه، أو بلسانه دون قلبه، أو بهما معا، أو عمل عملا جاء النص بأنه مخرج له بذلك عن اسم الإيمان (6). وقال الإمام إسحاق بن راهوية: ومما أجمعوا على تكفيره وحكموا عليه كما حكموا على الجاحد، فالمؤمن الذي آمن بالله تعالى ومما جاء من عنده ثم قتل نبيا أو أعان على قتله، ويقول: قتل الأنبياء محرم، فهو كافر (7).
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد: فإن العلاقة بين ابني آدم وبني إسرائيل هي أن ابن آدم هو أول من سن القتل، وقد استن به بنوا إسرائيل بشكل فظيع يدل على قساوة قلوبهم، حتى قتلوا بعض الأنبياء، وهموا بقتل بعضهم، كما قال تعالى حاكيا قول هارون ـ عليه السلام ـ لموسى: قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {الأعراف:150}. وأخبر تعالى عن قتلهم الأنبياء في سورة البقرة، فقال: وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ {البقرة:61}. وقال: لقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ {آل عمران:181}. اكتشف أشهر فيديوهات من اجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل | TikTok. وقال عنهم: لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُواْ وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ {المائدة: 70}.
وترجم البيهقي في [السنن الكبرى] لهذا الحديث بقوله: باب بيان ضعف الخبر الذي روي في قتل المؤمن بالكافر، وما جاء عن الصحابة في ذلك، وذكر طرقه وبين ضعفها كلها. ومن جملة ما قال: أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه، قال: قال أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني الحافظ: ابن البيلماني، ضعيف لا تقوم به حجة إذا وصل الحديث، فكيف بما يرسله. والله أعلم. وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} الآية. ما نصه: ولا يصح لهم ما رووه من حديث ربيعة "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل يوم خيبر مسلماً بكافر" لأنه منقطع، ومن حديث ابن البيلماني -وهو ضعيف- عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرفوعاً، قال الدارقطني: لم يسنده غير إبراهيم بن أبي يحيى، وهو متروك الحديث، والصواب عن ربيعة، عن ابن البيلماني مرسل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وابن البيلماني ضعيف الحديث، لا تقوم به حجة إذا وصل الحديث، فكيف بما يرسله. فإذا عرفت ضعف الاستدلال على قتل المسلم بالكافر فاعلم أن كونه لا يقتل به ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثبوتاً لا مطعن فيه مبيناً بطلان تلك الأدلة التي لا يعول عليها.
وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ:جاءتهم فعل ماض ومفعوله ورسلنا فاعله والجار والمجرور متعلقان بالفعل والجملة جواب القسم لا محل لها بعد اللام الواقعة في جواب القسم ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ: إنَّ واسمها، ولمسرفون خبرها واللام هي المزحلقة ومنهم متعلقان بكثيراً والظرف بعد متعلق بمسرفون وكذلك الجار والمجرور في الأرض. واسم الإشارة ذلك في محل جر بالإضافة والجملة معطوفة على ما قبلها. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ: بسبب ذلك الذي فعله قابيل بِالْبَيِّناتِ: الآيات الواضحة أَنَّهُ أي الشأن بِغَيْرِ … فَسادٍ فِي الْأَرْضِ: أي بغير فساد أتاه من كفر أو زنى أو قطع طريق أو نحوه أَحْياها: امتنع عن قتلها لَمُسْرِفُونَ: مجاوزون الحد بالكفر والقتل وغير ذلك، والإسراف البعد عن حد الاعتدال.