من عمل صالحًا فلنفسه (خطبة) الحمد لله الغفورِ الشكورِ الجواد، أنزل الوحي هدى ورحمة للعباد، ومن يضلل الله فماله من هاد، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. لك الحمدُ طوعاً لك الحمدُ فرْضا وثيقاً عميقاً، سماءً وأرْضا لك الحمدُ ملءَ خلايا جناني وكلِّ كياني، رُنُوُّاً وغَمْضا وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله، خاتم أنبيائه، وسيد أصفيائه. لك المشاعرُ دون الخلْقِ تشتاقُ يا مَن هُداك لنا طبٌّ وترياقُ صلَّى عليكَ إلهُ الكونِ ما نظرتْ إلى بديعِ صنيعِ الله أحداقُ أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فإن آخر آية نزلت تُذكِّر الناس بلقاء الله ﴿ وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281]. عباد الرحمن: أخرج الترمذي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أنَّهم ذبحوا شاةً فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ: ما بقيَ منْها؟ قلت ما بقيَ منْها إلَّا كتفُها. قالَ: بقيَ كلُّها غيرَ كتفِها. من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم. صححه الألباني. الله أكبر.. وكأني بنبينا صلى الله عليه وسلم أراد لفت الانتباه إلى فضل الصَّدقةُ فهي الَّتي تَمضي إلى الآخرةِ، فيَبْقى لك ثَوابُها ﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ ﴾ [النحل: 96]، أما تَأكُلُه في الدُّنيا فيَبْلى ويَفْنى.
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ (46) يقول تعالى: ( من عمل صالحا فلنفسه) أي: إنما يعود نفع ذلك على نفسه ، ( ومن أساء فعليها) أي: إنما يرجع وبال ذلك عليه ، ( وما ربك بظلام للعبيد) أي: لا يعاقب أحدا إلا بذنب ، ولا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه ، وإرسال الرسول إليه.
(لنذيقنّهم) مثل لننبّئنّ (من عذاب) متعلّق ب (نذيقنّهم) وجملة: (أذقناه) لا محلّ لها معطوفة على جملة مسّه الشرّ وجملة: (مسّته) في محلّ جرّ نعت لضرّاء وجملة: (يقولّن) لا محلّ لها جواب القسم... وجواب الشرّط محذوف دلّ عليه جواب القسم. وجملة: (هذا لي) في محلّ نصب مقول القول وجملة: (ما أظنّ الساعة قائمة) في محلّ نصب معطوفة على جملة مقول القول وجملة: (رجعت) لا محلّ لها معطوفة على جملة أذقناه. وجملة: (إنّ لي عنده للحسنى) لا محلّ لها جواب القسم، وجواب الشرّط محذوف دلّ عليه جواب القسم. وجملة: (ننبّئنّ) لا محلّ لها جواب القسم المقدّر.. تفسير قوله تعالى: من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها. وجملة القسم المقدّرة جواب شرط مقدّر أي: إن قامت الساعة فلننبّئنّ الذين كفروا... وجملة: (كفروا) لا محلّ لها صلة الموصول (الذين) وجملة: (عملوا) لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (ما) وجملة: (لنذيقنّهم) لا محلّ لها معطوفة على جملة لننبّئنّ... 51- الواو عاطفة في الموضعين (على الإنسان) متعلّق ب (أنعمنا)، (بجانبه) متعلّق ب (نأى)، والباء للتعدية (إذا مسّه الشرّ فذو.. ) مثل إن مسّه الشرّ فيئوس. وجملة: (أنعمنا) في محلّ جرّ مضاف إليه. وجملة: (أعرض) لا محلّ لها جواب شرط غير جازم وجملة: (نأى) لا محلّ لها معطوفة على جملة أعرض وجملة: (مسّه الشرّ) في محلّ جرّ مضاف إليه وجملة: هو (ذو) لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
ومهما تكن مكابرة وإصرار المنكر لله تعالى ولليوم الآخر، فإن هاجس وجودهما حقيقة يلاحقه باستمرار ، ومن المؤكد أنه يواجه سؤالا ملحا يطرحه على نفسه وهو: ماذا يكون مصيره لو وجد يوم آخر يحاسب فيه أمام خالقه ؟ وهذا يعني أنه يعيش اضطرابا نفسيا وعقليا بسبب قلق التردد بين إنكاره خالقه واليوم الآخر و بين إلحاح هذا السؤال التي يقلقه على الدوام أو يقلقه بين الحين والآخر. ومقابل القلق الذي يعيشه هذا المنكر أو الجاحد بالله تعالى وباليوم الآخر، يعيش المؤمن بهما طمأنينة نفسية وعقلية ، ولا تقلقه سوى التفكير في صعوبة المساءلة والمحاسبة من خالقه يوم القيامة إذا ما لقيه مقصرا فيما افترضه عليه. من عمل صالحا فلنفسه مشاري. ومعلوم أن مجرد الإيمان بالله تعالى وباليوم الآخر لا يكفي ليفوز الإنسان في الآخرة بالخلود في النعيم ، وبالنجاة من الجحيم بل لا بد له من أن يكسب في إيمانه خيرا مصداقا لقول الله تعالى: (( هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانه لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا)). وبمقتضى هذا النص القرآني لا اعتبار لعمل دون إيمان ، ولا اعتبار لإيمان دون عمل ، علما بأنه لا يذكر الإيمان في القرآن الكريم إلا مقترنا بالعمل الصالح ، فهما توأمان لا ينفكّان عن بعضهما.
النفس الثالثة والرابعة والخامسة: النفس المطمئنة، النفس الراضية، والنفس المرضية: "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً". وصف خالد هذه النفس بأنها مليئة بالسكينة والطمأنينة، مهما كان ما حولها، ومهما مرت به، تبقى هادئة سكينة، فيتحقق الرضا لأنها مطمئنة "راضية مرضية"، وقد سميت مطمئنة، لأن كل الناس حيارى في رسم طريقهم إلا هذه النفس، رسمت خطها مع الله إلى الجنة، "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي". وأشار إلى أن هذه النفس المطمئنة تظهر عند جزع الناس وخوفهم، بينما هي هادئة، ثابتة، منورة مستقرة، سعيدة "فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً"، لافتًا إلى أن الرضا في بدايته طمأنينة النفس: "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي"، فالرضا بنص القرآن باب النفس المطمئنة، كلما كانت النفس مطمئنة صارت راضية في داخلها، وصارت مرضية عند الله. من عمل صالحا فلنفسه اعراب - إسألنا. وأوضح أن "الرضا في حقيقته طمأنينة النفس مهما كان حجم الإحباط والتحديات أو المشاكل، ولتصل إلى الرضا لا بد أن تمتلك أولا نفسًا مطمئنة مستقرة هادئة، حافظ على نفسك مطمئنة، والذكر باب طمأنينة النفس: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ".