و للأسف هذا ديدن الكثير من بني آدم عبر التاريخ, وما جنى هؤلاء من عقيدتهم الفاسدة تلك إلا الهباء المنثور و ما استجلبوا على أنفسهم إلا سخط الملك المنعم المقتدر صاحب القوى و القدر سبحانه. إنما بسط الرزق و تقتيره و تقديره بيد الله لحكمة يعلمها إما اختباراً لعباده و إما لمنع ضر و مفسدة أكبر قد تحدث لو بسط الرزق لشخص معين كطغيان يعتريه أو تكبر يتلبسه, و العطاء و المنع لا يعني تفضيل و إنما هو محض ابتلاء و اختبار ليتبين الصادق من الكاذب و الشاكر من الناقم. و العافية من الآفات و الستر الجميل و الثيات على مرضاة الله هي أكبر النعم و أعلاها فاللهم أدم علينا فضلك.
ويحذرونه من الفساد في الأرض، بالبغي، والظلم، والحسد، والبغضاء، وإنفاق المال في غير وجهه، أو إمساكه عما يجب أن يكون فيه. فالله لا يحب المفسدين. فكان رد قارون جملة واحد تحمل شتى معاني الفساد ( قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي). لقد أنساه غروره مصدر هذه النعمة وحكمتها، وفتنه المال وأعماه الثراء. فلم يستمع قارون لنداء قومه، ولم يشعر بنعمة ربه. تأملات في رواية «كنوز قارون» لفوزي صالح | ثقافة | وكالة أنباء سرايا الإخبارية - حرية سقفها السماء. وخرج قارون ذات يوم على قومه، بكامل زينته، فطارت قلوب بعض القوم، وتمنوا أن لديهم مثل ما أوتي قارون ، وأحسوا أنه في نعمة كبيرة. فرد عليهم من سمعهم من أهل العلم والإيمان: ويلكم أيها المخدوعون، احذروا الفتنة، واتقوا الله، واعلموا أن ثواب الله خير من هذه الزينة، وما عند الله خير مما عند قارون. وعندما تبلغ فتنة الزينة ذروتها، وتتهافت أمامها النفوس وتتهاوى، تتدخل القدرة الإلهية لتضع حدا للفتنة، وترحم الناس الضعاف من إغراءها، وتحطم الغرور والكبرياء، فيجيء العقاب حاسما ( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ) هكذا في لمحة خاطفة ابتلعته الأرض وابتلعت داره. وذهب ضعيفا عاجزا، لا ينصره أحد، ولا ينتصر بجاه أو مال. وبدأ الناس يتحدثون إلى بعضهم البعض في دهشة وعجب واعتبار.
قال الله تعالى: << قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعاً ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون >> حفظ Your browser does not support the audio element.
فيصير المعنى (على علم عندي) أي: على علم من الله أني له أهل، القول الثاني إن معنى (على علم عندي) أي: أنما أوتيته، لأني عالم بأسباب الرزق فاكتسبته بما معي من العلم وليس هذا من فضل الله بل أنا رجل حاذق أعرف كيف أتصرف وأعرف الأسباب التي فيها نمو المال، فكنت فحصل لي ذلك بما عندي. كأنه يقول: إنما أوتيته بحولي وقوتي وليس بفضل الله ومنته. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة القصص - الآية 78. فصار على المعنى الأول نَسَب هذا الإتيان على أنه مكافأة من الله عز وجل له، وعلى القول الثاني نسَب هذا الفضل إلى حوله وقوته وليس إلى فضل الله تعالى يقول: أنا عالم أعرف كيف أكتسِب المال فاكتسبته أي في مقابلته. الطالب:.... الشيخ: نعم هذه نذكرها في الفوائد. أي في مقابلته وكان أعلم بني إسرائيل بالتوراة بعد موسى وهارون" ما ذكره المؤلف أو ما زعمه من أنه أعلم بني إسرائيل بالتوراة بعد موسى وهارون غير مُسَّلم بل إن الظاهر أنه قال: على علم من الله أني له أهل وأني أهل لهذا الشيء، أو على علم عندي أي على معرفة مني بالأمور، وأما أنه أعلم بني إسرائيل بالتوراة فليس في الآيات ما يدل على ذلك. قال الله عز وجل: (( قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ -الأمم- مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا -للمال- أي هو عالم بذلك، (أولم يعلم) هذه الهمزة للاستفهام المراد به التقرير يعني أنه قد علِم، كيف ندري أنه قد علم لأن اللي يقول: قد علم.
فـ { قَالَ} قارون -رادا لنصيحتهم، كافرا بنعمة ربه-: { إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} أي: إنما أدركت هذه الأموال بكسبي ومعرفتي بوجوه المكاسب، وحذقي، أو على علم من اللّه بحالي، يعلم أني أهل لذلك، فلم تنصحوني على ما أعطاني للّه تعالى؟ قال تعالى مبينا أن عطاءه، ليس دليلا على حسن حالة المعطي: { أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا} فما المانع من إهلاك قارون، مع مُضِيِّ عادتنا وسنتنا بإهلاك من هو مثله وأعظم، إذ فعل ما يوجب الهلاك؟. { وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} بل يعاقبهم اللّه، ويعذبهم على ما يعلمه منهم، فهم، وإن أثبتوا لأنفسهم حالة حسنة، وشهدوا لها بالنجاة، فليس قولهم مقبولا، وليس ذلك دافعا عنهم من العذاب شيئا، لأن ذنوبهم غير خفية، فإنكارهم لا محل له، فلم يزل قارون مستمرا على عناده وبغيه، وعدم قبول نصيحة قومه، فرحا بطرا قد أعجبته نفسه، وغره ما أوتيه من الأموال.