". وقال تعالى في سورة "البقرة": وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ". وقال تعالى في سورة "النساء":" أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً" قصة أصحاب السبت أبطال هذه الحادثة، جماعة من اليهود، كانوا يسكنون في قرية ساحلية. اختلف المفسّرون في اسمها، ودار حولها جدل كثير. أما القرآن الكريم، فلا يذكر الاسم ويكتفي بعرض القصة لأخذ العبرة منها. من هم أصحاب السبت الذين مسخهم الله قردة | مصراوى. وكان اليهود لا يعملون يوم السبت، وإنما يتفرغون فيه لعبادة الله. فقد فرض الله عليهم عدم الانشغال بأمور الدنيا يوم السبت بعد أن طلبوا منه سبحانه أن يخصص لهم يوما للراحة والعبادة، لا عمل فيه سوى التقرب لله بأنواع العبادة المختلفة. وجرت سنّة الله في خلقه. وحان موعد الاختبار والابتلاء. اختبار لمدى صبرهم واتباعهم لشرع الله. وابتلاء يخرجون بعده أقوى عزما، وأشد إرادة. تتربى نفوسهم فيه على ترك الجشع والطمع، والصمود أمام المغريات. لقد ابتلاهم الله عز وجل، بأن جعل الحيتان تأتي يوم السبت للساحل، وتتراءى لأهل القرية، بحيث يسهل صيدها.
إن هذا الموضوع سواء كان له جانب طبيعي عادي أم كان له جانب استثنائي وإلهي ، كان وسيلة لإمتحان وإختبار هذه الجماعة، لهذا يقول القرآن الكريم ، وهكذا اختبرناهم بشيء يخالفونه ويعصون الأمر فيه (كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ). عندما واجهت هذه الجماعة من بني إسرائيل هذا الامتحان الكبير الذي كان متداخلاً مع حياتهم تداخلاً كاملاً، انقسموا إلى ثلاث فرق: الفريق الأول: وكانوا يشكلون الأكثرية وهم الذين خالفوا هذا الأمر الإلهي. الفريق الثاني: وكانوا على القاعدة يشكلون الأقلية وهم الذين قاموا تجاه الفريق الأول بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قصه اهل السبت كرتون. الفريق الثالث: وهم الساكتون المحايدون والذين لم يوافقوا العصاة ، ولا قاموا بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وفي النهاية يشرح القرآن الحوار الذي دار بين العصاة ، وبين الذين نهوهم عن ارتكاب هذه المخالفة فيقول: (إِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا) (سورة الأعراف – 164) فأجابهم الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر: بأننا ننهى عن المنكر لأننا نؤدي واجبنا تجاه الله تعالى وحتى لا نكون مسؤولين تجاهه، هذا مضافاً إلى أننا نأمل أن يؤثر كلامنا في قلوبهم، ويكفوا عن طغيانهم وتعنتهم (قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (سورة الأعراف – 164).
اشتهى أحد أهل القرية أكل السمك فأغواه الشيطان وزين له القيام بحيلة للصيد، فأتى إلى شاطئ البحر يوم السبت ورأى سمكة كبيرة تسبح فربط ذيلها بحبل ووضع الطرف الآخر في وتد على الشاطئ وذهب، فلما انقضى النهار عاد وأخذ السمكة وشواها فانبعثت رائحتها، فأتاه جيرانه يسألونه عن ذلك، فأنكر ما فعل، ولما أصروا عليه، قال إنه جلد سمكة وجدته وشويته، فلما كان السبت الآخر فعل مثل ذلك فلما سألوه، قال إن شئتم صنعتم كما أصنع، وأخبرهم ففعلوا مثله. استعمال الحيلة وتفنن بنو إسرائيل في استعمال الحيلة للصيد يوم السبت الذي نهاهم عنه، فقام بعضهم يوم الجمعة بحفر حفر متصلة بالبحر بواسطة ممرات يسهل سدها، وكثر هذا وفعله الكثيرون، ووصل بهم الأمر إلى أن اصطادوها يوم السبت علانية وباعوها في الأسواق، فكان هذا من أعظم الاعتداء، ورأى الناس أن من صنع هذا لا يبتلى، فعمرت الأسواق بها، وأعلن الفسقة بصيدها.
وفي المآل غلبت عباده الدنيا عليهم وتناسوا الأمر الإلهي ،وفي هذا الوقت نجينا الذين كانوا ينهون عن المنكر، وعاقبنا الظالمين منهم بعقاب أليم بسبب فسقهم وعصيانهم (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) (سورة الأعراف – 165). ثم يشرح العقوبات هكذا: (فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ) (سورة الأعراف – 166). كيف ارتكبوا هذه المعصية؟ وأمّا كيف بدأت هذه الجماعة عملية التجاوز على هذا القانون الإلهي فقد وقع فيه كلام ويستفاد من بعض الروايات أنّهم عمدوا في البداية إلى الحيلة والتلاعب بحكم الله ،فقد حفروا أحواضاً إلى جانب البحر، وفتحوا لها أبواباً إلى البحر، فكانوا يفتحون هذه الأبواب في يوم السبت فتقع فيها أسماك كثيرة مع ورود الماء إليها، وعند الغروب حينما كانت الأسماك تريد العودة إلى البحر يوصدون تلك الأبواب فتحبس الأسماك في تلك الأحواض، ثم يعمدون يوم الأحد إلى صيدها، وأخذها من الأحواض، وكانوا يقولون: إن الله أمرنا أن لا نصيد السمك ونحن لم نصد السمك إنما حاصرناها فقط.
- قال تعالى واصفاً العذاب الذي حل بهم: ( وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ) الأعراف 164-166. مرتسم لشاطئ العقبة الملاصق لأيلة من أرض فلسطين المحتلة - للرسام ديفيد روبرت.
[5] قصة أصحاب السبت بحسب الآيات القرآنية ، اعتدى أصحاب السبت حدود الله ، واصطادوا السمك في يوم السبت مع أن العمل في ذلك اليوم كان حراما عليهم، [6] فعاقبهم الله بمسخهم؛ ليروا عقوبة عملهم، ويتعظ المتقون. [7] ووفقا للرواية التي نُقلت عن الإمام السجاد فإن أصحاب السبت كانوا فريقا يسكنون على شاطئ البحر، وابتلاهم الله بالنهي عن صيد الأسماك يوم السبت، فكانت الكثير من الأسماك تخرج يوم السبت ظاهرة على سطح الماء، فأخذ أصحاب السبت بالاحتيال، فأقاموا الحواجز والحفر والحياض؛ لتدخل فيها الأسماك، ولمّا حلّ اليوم التالي اصطادوها، وبهذه الطريقة حصلوا على أموال كثيرة، ونِعَم وفيرة، وبناء على هذه الرواية كان عددهم كلهم 80 ألف نفر واعتدى 70 ألفا منهم، فلم يكترثوا لنهي الله. [8] مسخهم بناء على الآيات القرآنية مسخ الله أصحاب السبت قردة؛ عقوبة لاعتدائهم، [9] ثم هلكوا بعد ثلاثة أيام، كما ورد في بعض الروايات. [10] وكتب السيد محمد حسين الطباطبائي في تفسير الميزان: بناء على الآية 165 من سورة الأعراف ، فإن الذين أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر نجوا من العذاب، وأما الفريقان الآخران أي المعتدون والساكتون على اعتدائهم فأخذهم العذاب.
ثم تبتعد بقية أيام الأسبوع. فانهارت عزائم فرقة من القوم، واحتالوا الحيل –على شيمة اليهود- وبدوا بالصيد يوم السبت. لم يصطادوا السمك مباشرة، وإنما أقاموا الحواجز والحفر، فإذا قدمت الحيتان حاوطوها يوم السبت، ثم اصطادوها يوم الأحد. كان هذا الاحتيال بمثابة صيد، وهو محرّم عليهم. فانقسم أهل القرية لثلاث فرق. فرقة عاصية، تصطاد بالحيلة. وفرقة لا تعصي الله، وتقف موقفا إيجابيا مما يحدث، فتأمر بالمعروف وتنهى عن المكر، وتحذّر المخالفين من غضب الله. وفرقة ثالثة، سلبية، لا تعصي الله لكنها لا تنهى عن المكر. وكانت الفرقة الثالثة، تتجادل مع الفرقة الناهية عن المنكر وتقول لهم: ما فائدة نصحكم لهؤلاء العصاة؟ إنهم لن يتوفقوا عن احتيالهم، وسيصبهم من الله عذاب أليم بسبب أفعالهم. فلا جدة من تحذيرهم بعدما كتب الله عليهم الهلاك لانتهاكهم حرماته. وبصرامة المؤمن الذي يعرف واجباته، كان الناهون عن المكر يجيبون: إننا نقوم بواجبنا في الأمر بالمعروف وإنكار المنكر، لنرضي الله سبحانه، ولا تكون علينا حجة يوم القيامة. وربما تفيد هذه الكلمات، فيعودون إلى رشدهم، ويتركون عصيانهم. بعدما استكبر العصاة المحتالوا، ولم تجد كلمات المؤمنين نفعا معهم، جاء أمر الله، وحل بالعصاة العذاب.