هذا إلى تمثيل الرسم لصور صوتية قديمة يعمل على رجع اللغة إلى الوراء وردها إلى أشكالها العتيقة. فكثيراً ما يتأثر الفرد في نطقه للكلمة بشكلها الكتابي، فلا يلفظها بالصورة التي انتهى إليه تطورها الصوتي، بل ينطق بها وفق رسمها فتنحرف إلى الوضع الذي كانت عليه في العهود القديمة. وليس الأجانب وحدهم هم المعرضين لهذا الخطر، بل إنه كثيراً ما يصيب أهل اللغة أنفسهم. وإليك مثلاً الحرف المضعف في اللغة الفرنسية في مثل,.. الخ فقد كان ينطق به وفق رسمه في العصور الأولى لهذه اللغة. مجلة الرسالة/العدد 380/في الاجتماع اللغوي - ويكي مصدر. ثم انقرضت هذه الطريقة منذ خمسة عشر قرناً تقريباً، وأخذ الفرنسيون ينطقون به مخففاً كما ينطقون بحرف, ولكن منذ عهد قريب أخذت عادة النطق به مشدداً تظهر في ألسنة كثير منهم تحت تأثير صورته الخطية. فمن جراء الرسم نكصت اللغة على عقبيها في هذه الناحية خمسة عشر قرناً إلى الوراء. ومن أجل ذلك كان العمل على إصلاح الرسم وتضييق مسافة الخلف بينه وبين النطق موضع عناية كثير من الأمم في كثير من العصور. فقد ظهر في هذا السبيل بعض حركات إصلاحية عند اليونان والرومان في العصور السابقة للميلاد. وفي أواخر القرن التاسع عشر عالج الألمان أساليب رسمهم القديم وأصلحوا كثيراً من نواحيه.
صور الحروف الانجليزيه سمول وكبتل
وما أشبهنا، إزاءه، بالباحثين عن طرفي الحلقة المفرغة تقوم الساعة علينا قبل أن نهتدي إلى المطلوب!
ويرجع السبب في هذه الظواهر وما إليها إلى عوامل كثيرة من أهمها عاملان: أحدهما: أن حروف الهجاء في معظم أنواع الرسم لا تمثل جميع أصوات اللغة التي تكتب بها. فقد جرت العادة مثلاً في معظم أنواع الرسم ألا يوضع لكل صوت عام أكثر من حرف هجائي واحد، مع أن الصوت العام كثيراً ما يندرج تحته أصوات مختلفة في مخرجها ونبراتها وقوتها ومدة النطق بها وما إلى ذلك. فالصوت العام للام مثلاً ليس له في معظم أنواع الرسم الحديثة إلا حرف واحد (ل!... )؛ مع أن هذا الصوت يختلف نطقه باختلاف الكلمات والمواقع. صور الحروف الانجليزيه. فأحياناً ينطق به مرققاً (بالله, وأحياناً مفخماً (والله، وتارة ينطق به مضغوطاً عليه (أقسم بالله) وأخرى ينطق به مرسلاً (نستعين بالله)... وهلم جرا؛ ورسمه واحد في جميع الحالات. والصوت العام للألف اللينة ليس له في العربية إلا حرف واحد؛ مع أنه أحياناً ينطق به مستقيماً وأحياناً ينطق به ممالاً. والصوت العام للجيم ليس له في العربية إلا حرف واحد؛ مع أنه في بعض اللهجات ينطق به مجرداً من التعطيش، وفي بعضها ينطق به معطشاً كل التعطيش، وفي بعضها ينطق به بين هذا وذاك. وثانيهما: أن أصوات اللغة في تطور مطرد وتغير دائم. فالأصوات التي تتألف منها كلمة ما لا تجمد على حالتها القديمة، بل تتغير بتغير الأزمنة والمناطق، وتتأثر بطائفة كبيرة من العوامل الطبيعية والاجتماعية واللغوية: فأحياناً يسقط منها بعض أصواتها القديمة، وأحياناً تضاف إليها أصوات جديدة، وتارة يستبدل ببعض أصواتها أصوات أخرى، وتارة تحرف أصواتها عن مواضعها فيختل ترتيبها القديم... ؛ وقد ينالها أكثر من تغير واحد من هذه التغيرات.