الآية. أصل التقييض - كما في المجمع - التبديل، والقرناء جمع قرين وهو معروف. فقوله: " وقيضنا لهم قرناء " إشارة إلى أنهم لو آمنوا واتقوا لأيدهم الله بمن يسددهم ويهديهم كما قال: " أولئك كتب في قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه " المجادلة: 22 لكنهم كفروا وفسقوا فبدل الله لهم قرناء من الشياطين يقارنونهم ويلازمونهم، وإنما يفعل ذلك بهم مجازاة لكفرهم وفسوقهم. وقيل: المعنى بدلناهم قرناء سوء من الجن والإنس مكان قرناء الصدق الذين أمروا بمقارنتهم فلم يفعلوا، ولعل ما قدمناه أحسن. وقوله: " فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم " لعل المراد التمتعات المادية التي هم مكبون عليها في الحال وما تعلقت به آمالهم وأمانيهم في المستقبل. وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم - مع القرآن (من لقمان إلى الأحقاف ) - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام. وقيل: ما بين أيديهم ما قدموه من أعمالهم السيئة حتى ارتكبوها، وما خلفهم ما سنوه لغيرهم ممن يأتي بعدهم، ويمكن إدراج هذا الوجه في سابقه. وقيل: ما بين أيديهم هو ما يحضرهم من أمر الدنيا فيؤثرونه ويقبلون إليه ويعملون له، وما خلفهم هو أمر الآخرة حيث يدعوهم قرناؤهم إلى أنه لا بعث ولا نشور ولا حساب ولا جنة ولا نار، وهو وجه بعيد إذ لا يقال لمن ينكر الآخرة أنها زينت له. وقوله: " وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس " أي ثبت ووجب عليهم كلمة العذاب حال كونهم في أمم مماثلين لهم ماضين قبلهم من الجن والإنس وكلمة العذاب قوله تعالى: " والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " البقرة: 39 كقوله: " لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين " ص: 85.
{وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} [فصلت 25] { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ}: قيض تعالى لكل معاند مستكبر مصر على الكفران قرناء سوء من الجن و الإنس يزينون لهم الحرام و يبغضون لهم الحق, جزاء عنادهم و استكبارهم و عداوتهم لله, لتحق عليهم الخسارة و ليستحقوا وعيد الله بالعذاب المقيم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ ( وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ) قال: الشيطان. حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: ( وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ) قال: شياطين. القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة فصلت - الآية 25. وقوله: ( فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ) يقول: فزين لهؤلاء الكفار قرناؤُهم من الشياطين ما بين أيديهم من أمر الدنيا. فحسنوا ذلك لهم وحبَّبوه إليهم حتى آثروه على أمر الآخرة ( وَمَا خَلْفَهُمْ) يقول: وحسَّنوا لهم أيضا ما بعد مماتهم بأن دعوهم إلى التكذيب بالمعاد, وأن من هلك منهم, فلن يُبعث, وأن لا ثواب ولا عقاب حتى صدّقوهم على ذلك, وسهل عليهم فعل كلّ ما يشتهونه, وركوب كلّ ما يلتذونه من الفواحش باستحسانهم ذلك لأنفسهم. * ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ ( فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) من أمر الدنيا ( وَمَا خَلْفَهُمْ) من أمر الآخرة. وقوله: ( وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) يقول تعالى ذكره: ووجب لهم العذاب بركوبهم ما ركبوا مما زين لهم قرناؤهم وهم من الشياطين.
وليس قوله: " وما خلفهم " عطفا على " ما بين أيديهم " بل المعنى: وأنسوهم ما خلفهم ، ففيه هذا الإضمار. قال ابن عباس: ما بين أيديهم تكذيبهم بأمور الآخرة وما خلفهم التسويف والترغيب في الدنيا. الزجاج: ما بين أيديهم ما عملوه وما خلفهم ما عزموا على أن يعملوه. وقد تقدم قول مجاهد. وقيل: المعنى لهم مثل ما تقدم من المعاصي وما خلفهم ما يعمل بعدهم. وحق عليهم القول في أمم أي وجب عليهم من العذاب ما وجب على الأمم الذين من قبلهم الذين كفروا ككفرهم. وقيل: في بمعنى مع ، فالمعنى هم داخلون مع الأمم الكافرة قبلهم فيما دخلوا فيه. وقيل: في أمم في جملة أمم ، ومثله قول الشاعر [ عمرو بن أبنة]: إن تك عن أحسن الصنيعة مأ فوكا ففي آخرين قد أفكوا يريد: فأنت في جملة آخرين لست في ذلك بأوحد. ومحل في أمم النصب على الحال من الضمير في عليهم أي: حق عليهم القول كائنين في جملة أمم. إنهم كانوا خاسرين أعمالهم في الدنيا وأنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
*القرين الذي ورد ذكره في عدة آيات في القرآن الكريم هل هو الوسواس أو هل قرين السوء ام هناك قرين غير السوء فهل يمكن توضيح ما هو القرين؟ قد يكون من الإنس ومن الجن كما وضح ربنا تعالى والقرين هو المصاحب. (قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53) الصافات) هذا إنس، (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)) هذا شيطان إنس. (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) الزخرف) هذا من الجن، (وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قِرِينًا (38) النساء) (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ (25) فصلت) قد يكون من الإنس وقد يكون من الجن. (وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) ق) يجوز من الإنس والجن لكن الدلالة واحدة وهي المصاحبة.
السؤال: إذا أقر الزاني بولده من الزنا ، وأراد أن يستلحقه فهل يلحق به أولا؟ الإجابة: اتفق أهل العلم على أن المزني بها إذا كانت ذات زوج فإن ما تحمله لا ينسب لغير زوجها، إلا فيما إذا نفاه الزوج فإنه يلحق بأمه، وذلك لما رواه البخاري (2053) ومسلم (1457) عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الولد للفراش وللعاهر الحجر " وعلى ذلك أن ما ولدته المرأة فهو لزوجها، وقوله: " وللعاهر الحجر " أي: وللزاني بالمرأة المتزوجة العقوبة، وليس له شيء آخر، و قد حكى الإجماع على هذا ابن عبد البر في التمهيد (183/8) وغيره. وأما إذا كانت المرأة المزني بها ليست ذات زوج، وحملت من الزنا فإن جمهور العلماء لا يلحقون الولد بالزاني، واستدلوا على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: " وللعاهر الحجر " فلم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم للزاني شيئا. وذهب طائفة من أهل العلم منهم الحسن وابن سيرين والنخعي وإسحاق، إلى أن الزاني إذا استلحق الولد فإنه يلحق به، وبه قال شيخ الإسلام ابن تيمية ، واستدلوا على ذلك بما رواه مالك في الموطأ (2/740): " أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يليط أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام "، وقالوا: إن ما استدل به لجمهور محمول على ما إذا كانت المرأة ذات زوج، وهذا قول له حظ من النظر.
ويقول أحمد البنا الساعاتي: (وقيل المراد بالحجر هنا: أنه يرجم بالحجارة، وهذا ضعيف لأنه ليس كل زان يرجم، وإنما يرجم المحصن خاصة، ولأنه لا يلزم منه رجمه نفي الولد عنه، والحديث إنما ورد في نفي الولد عنه) (13). وقد قال ابن رسلان في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: "وللعاهر الحجر" رأيا آخر، غير ما ذكره العلماء السابقون، فقال: (وقيل: المراد بالعاهر في الحديث عتبة بن أبي وقاص الذي كسر رباعية النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد، فإن ذلك مات قبل الفتح كافرًا) (14). شرح وترجمة حديث: الولد للفراش، وللعاهر الحجر - موسوعة الأحاديث النبوية. فالحديث هنا ليس صريحا ولا بيِّنًا، في حد الرجم للزاني هنا، بل لم نجد فقيها ممن يقولون بأن الرجم حد يستشهد بالحديث، ولا يغيب عنهم هذا النص، فهو موجود في مسألة: دعوى النسب، وهو باب مهم في الفقه، لا يخلو منه مذهب فقهي، ولا كتاب فقهي مذهبي، أو في الفقه المقارن، وإن استدل به البعض، ولكن ضعفه الفقهاء. إشكال كبير في الحديث: وبقي هنا إشكال كبير أثير في الحديث الشريف، في متنه، فالنبي صلى الله عليه وسلم أعطى الولد لابن زمعة، أي اعترف له بالنسب، ومع ذلك طلب من زوجه السيدة سودة، أن تحتجب منه، ولم تره حتى ماتت، فكيف يقر له النبي صلى الله عليه وسلم بالفراش والنسب لزمعة، ويرث منه، وهو يرى شبه الولد أقرب لأخي سعد بن أبي وقاص، ولذا أمر زوجه السيدة سودة أن تحتجب منه، فلم يحكم بأنه أخوها، وإلا لأجاز لها أن تراه ويراها، وهو إشكال كبير في متن الحديث، حاول العلماء حل هذا الإشكال، ولهم فيه كلام كثير، وبخاصة الإمام الطحاوي في كتابه: (شرح مشكل الآثار) في حوالي عشرين صفحة (15).
8 ـ انظر: شرح السنة للبغوي (9/283،282). 9 ـ انظر: الاقتضاب في غريب الموطأ وإعرابه على الأبواب لليفرني (2/123).. 10 ـ انظر: كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي (3/512) وعمدة القاري للعيني (17/290). 11 ـ رواه البخاري (5090)، ومسلم (1466) وأبو داود (2047). وأخرجه أحمد (9521)، والنسائي (3230)، وابن ماجه (1858)، وابن حبان (4036) عن أبي هريرة رضي الله عنه. 12 ـ انظر: تفسير الموطأ لأبي المظفر القنازعي (2/518). 13 ـ انظر: الفتح الرباني للساعاتي (17/35). 14 ـ انظر: شرح سنن أبي داود لابن رسلان (10/128). 15 ـ انظر: شرح مشكل الآثار للطحاوي (11/5 ـ 24). 16 ـ انظر: العقوبات التي استقلت بتشريعها السنة النبوية للدكتور محمد أنس سرميني ص: 405. [email protected]
ثم ننتظر – في هذه الحالة - ولادة المولود، فإن ولد حيا قبل ستة أشهر من دخوله بها، وعاش، كان هذا دليلا على أنه ليس منه؛ لأن أقل مدة للحمل الذي يعيش: ستة أشهر. ثانيا: الأصل أن ما تلده المرأة المزوجة ينسب إلى زوجها ما لم ينفه باللعان؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ رواه البخاري (1948) ومسلم (1457). ومعنى الحديث: أن الولد يُنسب لزوج المرأة ، وللزاني الخيبة والحرمان. ينظر: "فتح الباري" (12 / 36). وهذا النسب حق للولد ، لا يجوز الاعتداء عليه، ولا يمكن نفيه إلا باللعان. فإن تيقن الزوج ، أو غلب على ظنه ، أن الولد ليس منه ، بشهادة الأطباء، أو بولادته حيا قبل مرور ستة أشهر من دخوله بها ؛ فإنه ينفي هذا الولد باللعان. قال النووي رحمه الله في المنهاج: " ولو أتت بولد ، وعلم أنه ليس منه: لزمه نفيه. وإنما يَعلم: إذا لم يطأ ، أو ولدته لدون ستة أشهر من الوطء". قال الخطيب الشربيني في شرحه "مغني المحتاج" (5/ 61): " (ولو أتت بولد) ، يمكن كونه منه (وعلم) ، أو ظن ظنا مؤكدا (أنه ليس منه: لزمه نفيه) ؛ لأن ترك النفي يتضمن استلحاقه، واستلحاق من ليس منه حرام ، كما يحرم نفي من هو منه... (وإنما يَعلم) - بفتح أوله - أن الولد ليس منه: (إذا لم يطأ) زوجته أصلا ، (أو) وطئها ، ولكن (ولدته لدون ستة أشهر من الوطء) التي هي أقل مدة الحمل ، (أو فوق أربع سنين) منها ، التي هي أكثر مدة الحمل.