وفي كلمات الأعلام من سلف هذه الأمة، والتابعين لهم بإحسان ما يوسع دلالة هذه القاعدة: فهذا الجنيد: يقول ـ في تعليقه على هذه القاعدة القرآنية: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} ـ: والذين جاهدوا أهواءهم فينا بالتوبة؛ لنهدينهم سبل الإخلاص. ولأهل العلم نصيب من هذه القاعدة، يقول أحمد بن أبي الحواري: حدثني عباس بن أحمد ـ في قوله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} قال: الذين يعملون بما يعلمون، نهديهم إلى ما لا يعلمون. وهذا الذي ذكره هذا العالم الجليل هو معنى ما روي في الأثر: من علم بما عمل، ورّثه الله علم ما لم يعمل، وشاهد هذا في كتاب الله: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}[محمد: 17]. وكان عمر بن عبدالعزيز: يقول: "جهلنا بما علمنا تركنا العمل بما علمنا ولو علمنا بما علمنا لفتح الله على قلوبنا غلق ما لا تهتدي إليه آمالنا (6).
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا.. } [العنكبوت: 69] عَلَّق سبحانه الهداية بالجهاد، فأكمل الناس هداية أعظمهم جهادًا.. وأفرض الجهاد: جهاد النفس، وجهاد الهوى، وجهاد الشيطان، وجهاد الدنيا.. فمن جاهد هذه الأربعة في الله هداه الله سُبُل رضاه الموصلة إلى جنته، ومن ترك الجهاد فاته من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد. قال الجنيد: "والذين جاهدوا أهواءهم فينا بالتوبة، لنهدينهم سبل الإخلاص".. ولا يتمكن من جهاد عدوه في الظاهر إلا من جاهد هذه الأعداء باطنًا.. فمن نُصِرَ عليها نُصِرَ على عدوه، ومن نُصِرَت عليه نُصِرَ عليه عدوه. ألقى الله سبحانه العداوة بين الشيطان وبين المَلَك، والعداوة بين العقل وبين الهوى، والعداوة بين النفس الأمارة وبين القلب.. وابتلى العبد بذلك وجمع له بين هؤلاء، وأمد كل حزب بجنود وأعوان، فلا تزال الحرب سجالاً ودولاً بين الفريقين إلى أن يستولي أحدهما على الآخر ويكون الآخر مقهورًا معه. فإذا كانت النوبة للقلب والعقل والملك.. فهنالك السرور والنعيم واللذة والبهجة والفرح وقرة العين وطيب الحياة وانشراح الصدر والفوز بالغنائم. وإذا كانت النوبة للنفس والهوى والشيطان.. فهنالك الغموم والهموم والأحزان وأنواع المكارة وضيق الصدر وحبس الملك.
وثمة سرٌّ آخر -والله أعلم- في التنبيه على هذا الأصل، وهو: أن الإنسان قد يبدأ مخلصًا، ثم لا يلبث أن تنطفئ حرارة الإخلاص في نفسه كلما لاح أمام ناظريه شيء من حظوظ النفس، والأثرة، أو التطلع إلى جاه، والرغبة في العلو والافتخار، أو الانتصار. "والعلل الناشئة عن فقدان الإخلاص كثيرة، وهي إذا استفحلت استأصلت الإيمان، وإذا قلّت تركت به ثُلمًا شتى، ينفذ منها الشيطان " (4)، لذا ليس غريبًا أن يأتي التوكيد على هذا الأصل الأصيل في هذا المقام العظيم: مقام الجهاد والمجاهدة. وإذا تقرر أن السورة مكية ـ على القول الصحيح من أقوال المفسرين ـ وهو الذي لم تجب فيه بعدُ شعيرة الجهاد بمعناه الخاص ـ وهو قتال المشركين لإعلاء كلمة الله فإن ثمة معنى كبيرًا تشير إليه هذه القاعدة: { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}، وهو أن من أبلغ صور الجهاد: الصبر على الفتن بنوعيها: فتن السراء وفتن الضراء، والتي أشارت أوائل سورة العنكبوت إلى شيءٍ منها. أيها المتأمل الكريم: وهذه القاعدة القرآنية المحكمة: { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} دلت على شيءٍ آخر، كما يقول ابن القيم: "وهو أن أكمل الناس هدايةً أعظمهم جهادًا، وأفرض الجهاد جهاد النفس، وجهاد الهوى، وجهاد الشيطان، وجهاد الدنيا، فمن جاهد هذه الأربعة في الله، هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى جنته، ومن ترك الجهاد فاته من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد... إلى أن قال:: ولا يتمكن من جهاد عدوه في الظاهر إلا من جاهد هذه الأعداء باطنًا، فمن نُصِرَ عليها نُصِرَ على عدوه، ومن نصرتْ عليه نُصِرَ عليه عدوُه" (5).
وأما على القراءة الأخرى: وَالَّذِينَ قَاتَلوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ، فسيهديهم في الدنيا للصواب، ولما اختلف الناس فيه من الحق بإذنه، ويهديهم إلى أفضل الأعمال، وإلى كل خير في الدنيا والآخرة. هنا: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا فيدخل فيه هؤلاء، ويدخل فيه أصحاب المجاهدات الذين يجاهدون النفس لحملها على طاعة ربها ومليكها ، ويجاهدونها لكفها عما لا يليق، عن فعل الحرام، ومقارفة الحرام، ويجاهدون أهواء النفوس، ويجاهدون الشيطان، فالإنسان في صراع دائم لا ينقطع حتى يموت مع عدوه إبليس، فهو في معركة مدتها الحياة، حتى تخرج روحه، والشيطان يتوعده ويقعد له في كل طريق. فينبغي للعبد أن يستشعر أنه في جهاد مستمر، وأن عدوه متربص به في كل طريق، ينتظر غفلته، فتقع زلته، فعند ذلك تحصل غوايته، وانحرافه، وضلاله عن الصراط المستقيم. الإنسان بحاجة إلى استحضار هذه المعاني، ثم إن قوله -تبارك وتعالى: لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا اللام هنا يمكن أن تكون جواب قسم محذوف، كأن الله يقسم على هذا، فهو شيء مؤكد. وأيضاً فإن الله قال: لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا جاء بها بالجمع، فهذا يدل على كثرة ما يحصل لهؤلاء من الهدايات إلى كثير من أبواب البر والمعروف والخير، ثم أيضاً رتب الله هنا الهداية على المجاهدة.
_________________ (1) الفوائد: (42). (2) في ظلال القرآن. (3) الكلمة للمنفلوطي، نقلاً عن مقالات لكبار كتاب العربية للدكتور محمد الحمد ـ وفقه الله ـ (1 / 213). (4) خلق المسلم للغزالي: (66). (5) الفوائد: (59). (6) درء التعارض 4/358.
توت توت | أناشيد وأغاني أطفال باللغة العربية - YouTube
اغنية توت توت الكتكوت ربع ساعة مكررة | اغاني اطفال - YouTube
بغداد - العرب اليوم أفاد مراسلنا في العراق، اليوم الاثنين، بأن ثمانية عناصر من الجيش العراقي أصيبوا بتفجير انتحاري في محافظة نينوى شمالي البلاد وذكر مراسلنا، أن قوة من الجيش العراقي كانت تجري عملية تفتيش وبحث عن عناصر تنظيم "داعش" في جبال (نويكيط) جنوبي الموصل، قبل أن يفجر انتحاريا نفسه عليهم وأضاف، أن الانفجار تسبب بجرح ثمانية عناصر، بينهم ضابطين.