قال ويدخل محمد بن مسلمة معه رجلين – قيل لسفيان: سماهم عمرو؟ قال: سمى بعضهم – قال عمرو: جاء معه برجلين، وقال غير عمرو: أبو عبس بن جبر والحارث بن أوس وعباد بن بشر. قال عمرو: جاء معه برجلين، فقال: إذا ماجاء فإني قائل بشعره فأشمه، فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه. وقال مرة ثم أشمكم، فنزل إليهم متوشحا وهو ينفح منه ريح الطيب، فقال: ما رأيت كاليوم ريحا، أي أطيب، وقال غير عمرو: قال عندي أعطر نساء العرب وأكمل العرب. قال عمرو: فقال أتأذن لي أن أشم رأسك؟ قال: نعم، فشمه ثم أشم أصحابه، ثم قال: أتأذن لي؟ قال: نعم، فلما استمكن منه، قال: دونكم، فقتلوه، ثم أتوا النبي ﷺ فأخبروه. [ش أخرجه مسلم في الجهاد والسير، باب: قتل كعب بن الأشرف طاغوت اليهود، رقم:1801. (قائل بشعره) جاذب به. (متوشحا) متلبسا بثوبه وسلاحه. (ينفح) يفوح].
كعب بن الأشرف قتل كعب في شهر ربيع الأول من السنة الثالثة للهجرة النبوية الشريفة، تمّ قتل واغتيال أحد زعماء ورجال اليهود وهو اليهودي كعب بن الأشرف، وتم قتله على يد جماعة من رجال المسلمين الذين كلفهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بتلك المهمّة. كعب بن الأشرف كان كعب بن الأشرف أحد قادات وزعماء ورجال يهود قوم بني النضير، وقد قاد كعب بن الأشرف حرباً قوية وشرسة ضد المسلمين، وكثيرًا ما كان كعب بن الأشرف يصرّح بسبِ الذات الآلهية وشتم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يكتفي كعب بالسب والشتم بل وأنشد أشعاراً وأبياتاً يهجوا فيها الصحابة الكرام رضوان الله عليهم. وأيضاً لم يكتف كعب بذلك الأمر، بل أنَّه كان يدعوا القبائل للإنقلاب على دولة ديننا الإسلامي الحنيف، حيث جاء إلى مكة المكرمة يدعوا فيها قوم قريش للإنقلاب على المسلمين وقتالهم، حيث بدأ يذكر المسلمين ويذاكر معهم قتلاهم في غزوة بدر، ولكنّه استمر أيضاً في عمل وفعل ما هو أشد من هذا بكثير. وفي يوم سألته قريش عندما كانوا يعبدون الأصنام والأوثان، حيث سألوه: ( هل ديننا أحب إليك أم دين محمد وأصحابه، وأيُّ الفريقين ما هو أهدى سبيلاً)، ففي ذلك الأمر نزل الرد من الله سبحانه وتعالى، حيث أنزل آيات بينات وقال عز من قال: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاَءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً).. سورة النساء.
لما كان كعب بن الأشرف في مكة ذات يوم ، سأله المشركون بلسان أبي سفيان ، وقال: " أيهما أحب إليك يا كعب بن الأشرف ؟ أهو ديننا ؟ أم دين الإسلام ؟ دين محمد وأصحابه ؟ وأي الفريقين من وجهة نظرك أهدى ؟ " فرد كعب قائلًا: " بل أنتم يا أبا سفيان ، فإنكم أهدى سبيلًا منهم ، وأفضل " ، ومن هنا نزل قول الله ، جل علاه ، في كتابه العزيز: " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلًا ". لم يكتف كعب بذلك ، بل إنه يشبب خلال قصائده ، بنساء الصحابة ، فكان كثير الإيذاء لهن بلسانه ، ومن ثم جاء النبي محمد ، صلى الله عليه وسلم ، وقال لصحابته: من منكم لكعب بن الأشرف ؟ حيث أنه قد أذى الله ، وأذى رسوله ، والمسلمين ، والمسلمات كافة ، فانتدب محمد بن مسلمة له ، وكذلك عباد بن بشر ، ومعهم أبي نائلة ، والذي كان يدعى سمكان بن سلامة ، وكان هو أخو كعب بن الأشرف في الرضاعة ، وانضم إليهم ولحارث بن أوس ، ومعه أبو عبس بن جبر ، وصمموا على قتال كعب ، وبذلك تم الانتهاء من إيذائه. تصفّح المقالات
قال ابن إسحاق: فقال رسول الله ﷺ - كما حدثنى عبد الله بن المغيث بن أبى بردة -: "من لابن الأشرف" فقال له محمد بن مسلمة أخو بنى عبد الأشهل: أنا لك به يا رسول الله، أنا أقتله. قال: "فافعل إن قدرت على ذلك". قال: فرجع محمد بن مسلمة فمكث ثلاثا لا يأكل، ولا يشرب، إلا ما يعلق نفسه، فذكر ذلك لرسول الله ﷺ فدعاه فقال له: "لم تركت الطعام والشراب؟" فقال: يا رسول الله قلت لك قولا لا أدرى هل أفى لك به أم لا؟ قال: "إنما عليك الجهد" قال: يا رسول الله إنه لا بد لنا أن نقول. قال: "فقولوا ما بدا لكم فأنتم فى حل من ذلك". قال: فاجتمع فى قتله محمد بن مسلمة، وسلكان بن سلامة بن وقش، وهو أبو نائلة أحد بنى عبد الأشهل، وكان أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة، وعباد بن بشر بن وقش أحد بنى عبد الأشهل، والحارث بن أوس بن معاذ أحد بنى عبد الأشهل، أبو عبس بن جبر أخو بنى حارثة.
كان كعب بن الأشرف ، من أكثر اليهود حنقًا على دين الإسلام ، وكان من أشهد الناس إيذاءًا للنبي محمد ، صلى الله عليه وسلم ، حيث كان من المحرضين على حرب رسول الله ، وقد كان من إحدى قبائل بني نبهان ، وهي قبيلة طيء ، وكانت أمه من قبيلة بني النضير ، عرف عن الثراء الواسع ، والوسامة الفريدة ، وكان شاعرًا من شعراء العرب النابغين. كان كثيرًا ما يهجو الإسلام والمسلمين في أشعاره ، وكان إذا علم بانتصار المسلمين على الكفار ، يحزن أشد الحزن ، ويبدأ في السب على جميع المسلمين ، ويعلن الحرب ، والإيذاء تجاههم ، كما كان يمدح أعداء المسلمين في كل وقت ، ظنًا منه أنه بذلك يثأر منهم ، ولم يكن يعلم أنه لا يؤثر ما يقوله ، وما يفعله في المسلمين من شيء ، فإن الله معهم أينما كانوا ، وأن رفعة كلمة لا إله إلا الله ، هي الحق ، الذي دومًا ما يسعون إليه. لما علم كعب بن الأشرف في إحدى المرات ، بانتصار الإسلام ، والمسلمين ، على صناديد قريش ، في غزوة بدر ، وأنهم تمكنوا من قتلهم ، اشتاط غيظًا ، ولما تيقن من ذلك الخبر ، بلغ الغضب لديه ذروته ، وذهب إلى قريش ، وأخذ يبكي من ماتوا منهم على يد المسلمين ، ويكتب إليهم قصائد مدوية من الرثاء ، وكان من الواضح في قصائده أنه يكن الحقد ، والضغينة الشديدة ، على رسول الله ، والمسلمين كافة.