ومثله استدلالهم بقول الماوردي: (إن كان معه رجال ونساء في الصلاة وثبت قليلاً لينصرف النساء، فإن انصرفن وثب لئلا يختلط الرجال بالنساء)، وهذا دليل على جواز اختلاط الرجال والنساء في الصلاة بمعنى الاجتماع، ولكن الاختلاط عند الانصراف فمحرم لأنه بمعنى التضام. وأما أدلة السنة التي أوردوها فمنها حديث ابن جريج عند البخاري قال: (قلت لعطاء ابن أبي رباح: كيف يخالطن الرجال؟ قال: لم يكن يخالطن، كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حجرة من الرجال، لا تخالطهم)، وهذا دليل على خلطهم بين اختلاط التضام واختلاط الاجتماع، فعائشة لم تخالطهم بمعنى لم تزاحمهم، وإلا لو كان الاختلاط المحرم هو اختلاط الاجتماع لما جاز لها الطواف مطلقاً ولو حجرة؛ لأنه اختلاط بمعنى الاجتماع، وهذا الاستدلال دليل على غياب (فقه) السنة لدى هؤلاء المستدلين وخلطهم بين المعاني وعدم إدراكهم للشواهد والدلالات. وهكذا هي النصوص التي نقلها المحرمون، حيث ظهر بأنهم قد خلطوا بين الاختلاط الذي هو بمعنى الاجتماع المباح وبين الاختلاط الذي هو بمعنى التضام المحرم، ويصدق على هؤلاء قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور عنه: (نضر الله امرءاً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه)، والفرق بين حالنا وحال من سبقنا، أن من سبقنا لم يكن المتعالمون وغير المتخصصين لديهم يتقدمون بين يدي الفقهاء فضلاً عن أن يُجهِّلوهم أو يضللوهم ناهيك عن أن يكفروهم.
فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال. وهذا واضح في منع الاختلاط بين الرجال والنساء. 6 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل صفوف النساء خلف صفوف الرجال وقال: خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها. وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها، وما ذاك إلا لمنع الاختلاط. 7 ـ أن الاختلاط بين النساء والرجال سبب لافتتان بعضهم ببعض وما كان وسيلة إلى الحرام فهو حرام. ولذلك قال الموفق ابن قدامة في المغني (3/372) إنه يستحب تأخير طواف المرأة إلى الليل ليكون أستر لها. ولا يستحب لها مزاحمة الرجال لاستلام الحجر. أدلة تحريم الاختلاط - منتدى عالم الأسرة والمجتمع. لكن تشير بيدها إليه كالذي لا يمكنه الوصول إليه. كما روى عطاء قال: (كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حَجَرة من الرجال لا تخالطهم. فقالت امرأة: انطلقي نستلم يا أم المؤمنين قالت: انطلقي عنك وأبت) انتهى. أي أبت أن تنطلق معها لاستلام الحجر لما في ذلك من مزاحمة الرجال وهذا يدل على منع الاختلاط. وأما استدلال من يبيح الاختلاط بين النساء والرجال في الحفلات والمنتديات وغيرها بكون النساء الآن يختلطن بالرجال في الطواف والسعي ـ فالجواب عن ذلك: 1 ـ أن الأدلة السابقة دلت على تحريم الاختلاط وتصرفات الناس إذا خالفت الأدلة لا يحتج بها.
الأدلة كثيرة على منع اختلاط النساء بالرجال كتب نجيب عصام يماني في صحيفة الوطن يوم الأحد 27/6/1427هـ العدد 2123 في الصفحة 24 مقالاً بعنوان: رداًعلى الجردان وقال في أثناء رده على قول الجردان (إن الاختلاط لم يحرمه الإسلام) قال نجيب: وإنما حرم الخلوة. وكنت أتمنى أن يزودني ولو بدليل واحد من واقع الدين يحرم الاختلاط سواء بلفظه أو مدلوله أو يدلل بحادثة واحدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم الاختلاط أو منع النساء عنه سواء في المسجد أو السوق وفي كافة حياة المسلم التي كان يعيشها آنذاك). كذا قال نجيب. ولا أدري هل هو في كلامه هذا يتحدى أو يسترشد. فإن كان يتحدى فهذا يدل على أنه قد استقرأ كتب الشريعة كلها وأحاط بها فلم يجد فيها دليلاً واحداً. وهذا مستوى من العلم لم يصل إليه غيره. فإن ادعاه قلنا له: استقراؤك غير صحيح وغير دقيق فهناك أدلة كثيرة لم يقع عليها نظرك تدل على تحريم الاختلاط منها: 1 ـ قوله تعالى: ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) لأن الحجاب يمنع الاختلاط بين الرجال والنساء ويجعل النساء منعزلات من ورائه عنهم حال سؤالهم لهن ـ ومثله قوله تعالى عن مريم ( فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً) أي ساتراً يعزلها عن اختلاطها بقومها.
والأشد من هذا التجاوز في التحريم بالجملة؛ تسويغ القذف تجاه أي امرأة تكشف وجهها وتختلط بالرجال، وعدم قبول شهادة الرجل المختلط بهن! ما يعني تطور الانحراف من مرحلة «التفكير»، إلى مرحلة «التعبير»، ثم إلى مرحلة «التنظير» و»التدبير»؛ لاستباحة الأعراض بقذف المؤمنين والمؤمنات بدعوى أنهم مختلطون.